تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إسرائيل والخطأ الإستراتيجي القاتل!!

                                                                                                                                          29/5/2013

دأب كيان العدو الإسرائيلي منذ قيامه على ممارسة كل أنواع العربدة والعدوان من تونس غرباً إلى العراق شرقاً، ولم يعتد أن يردعه أحد بسبب الشعور بفائض القوة الذاتية والدعم الغربي. الأمر لم يعد هكذا منذ عدة سنوات. لكن هذا العدو يحاول كل فترة القيام بعملية أو حرب معينة ليذكّر بوجوده وقوته. أما بالنسبة للحالة بين سورية وهذا العدو فقد حكمتها اتفاقية فض الاشتباك منذ عام 1974 وإلى الآن. لكن العدو لم يلتزم، وخرق الاتفاق مرات عدة، سواء بالعدوان المباشر عبر عمليات حربية عدوانية على أهداف داخل الأراضي السورية، أو عبر عمليات اغتيال تنفذها استخباراته داخل الأراضي السورية. وكان الجانب السوري يهدد بالرد أو يردّ بطريقته وفي الزمان والمكان المناسبين.

آخر عملية إسرائيلية على أراضي الجمهورية العربية السورية الدولة المستقلة والعضو في الأمم المتحدة، كانت قبل عدة أسابيع، وكانت مؤلمة لكنها كانت الخطأ الإستراتيجي القاتل للعدو الإسرائيلي، لماذا؟ لعدة أسباب:

أولاً، أن إسرائيل التي انتهزت انشغال الجيش العربي السوري والقيادة السورية بالوضع الداخلي السوري، لم تكن تتوقع رداً سورياً أبداً؛ رأت عملية صيد مباشرة فوقعت في الفخ. كان ردّ القيادة السورية وحلفاءها إستراتيجياً بكل معنى الكلمة: توجيه صواريخ سورية باتجاه إسرائيل؛ فتح جبهة الجولان؛ تأكيد سوري واضح أن هذه هي المرّة الأخيرة التي لن يكون فيها رداً مباشراً وعنيفاً ومزلزلاً. وجاء تأكيد ذلك ـ باعتراف العدو نفسه ـ عندما ضربت القوات السورية العاملة في الجولان السوري آلية عسكرية إسرائيلية تخطت الشريط الفاصل؛ كان كلّ همّ قادة العدو والمحللين المدنيين والعسكريين هو معرفة من أعطى الأوامر باستهداف تلك الآلية؟ هل الأوامر جاءت من الرئيس بشار الأسد أم تصرفت الوحدة العسكرية السورية من تلقاء نفسها وبناء على تعليمات مسبقة بالرد، دون الرجوع للقيادة في دمشق في مثل هذه الحالات!؟ ماذا يعني ذلك؟ هذا الغموض يعني أن إسرائيل تأخذ كثيراً على محمل الجد التهديدات السورية. وهذا ما أكدته افتتاحية صحيفة "هآراتس" الإسرائيلية قبل أيام؛ لا تستفزوا الأسد أكثر من ذلك.

ثانياً، الخطأ الإستراتيجي قاتل أيضاً لأنه حرم إسرائيل من أمرين حيويين: فقدان القدرة على التهديد بالعدوان كما كانت تفعل سابقاً، وعدم القدرة على القيام بالعدوان لأن الردّ على أي استفزاز إسرائيلي أصبح مؤكداً سلفاً، ومعروفة أيضاً أخطاره وأبعاده وجسامة أضراره؛ الهدف في المناورة الإسرائيلية الأخيرة التي بدأت قبل يومين هو التعامل مع صواريخ غير تقليدية ستقع "بالتأكيد" على الجبهة الداخلية وستؤلمها في الحرب المقبلة "بالتأكيد"!! هل يمكن لإسرائيل ـ على سبيل المثال ـ تحمّل سقوط أربعمائة صاروخ مثلاً على حيفا وتل أبيب والنقب والقدس!؟؟ وهذا رقم بسيط قياساً فعلاً بما يمكن أن يقع عليها في أي مواجهة مقبلة؛ ألم يتحدث أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن وحدة الجبهات ووحدة الرد الموجع والمؤلم وكيفيته!؟

ثالثاً، العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية حقق نتائج إيجابية للأخيرة، عززت الموقع السوري سياسياً وعسكرياً؛ سياسياً، لقي العدوان إدانة واسعة واستهجاناً من قبل الكثيرين، وأظهر "بوضوح" حقيقة النوايا والتوجهات الإسرائيلية القريبة والبعيدة وخطورتها، بما يُسكت الآخرين الذين أصبحت قبلة الحرب لديهم إسقاط سورية وليس تحرير فلسطين. كما أظهر حقيقة المواقف الصديقة التي لطالما أمِلَ أعداءُ سورية بأنها ستتغيّر؛ أقصد الموقف الروسي. وهذا ينقلنا إلى الجانب العسكري؛ فقد اقنع العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية الروسَ بصوابية الموقف السوري، وأنه لايمكن الركون للوعود الإسرائيلية بأنهم لن يهاجموا سورية، وإن سورية الحليف والصديق الوفي  بحاجة إلى أسلحة دفاعية أكثر تطوراً لتمنع أي تصرفات متهورة. وربما هذا ما سرّع بتنفيذ صفقة الصواريخ الروسية الدفاعية "أس300" إلى سورية. فماذا ستفعل إسرائيل بعد التأكيد الروسي أن الصواريخ أصبحت أو في طريقها إلى سورية؟

رابعاً، فور تأكيد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أمس إتمام صفقة الصواريخ، وأنها "تمثل عامل استقرار يحول دون تدخل قوى خارجية في النزاع"، في سورية، وأنها  تساهم في تبريد بعض "الرؤوس الساخنة" في دراسة سيناريو تدويل النزاع بمشاركة القوى الخارجية التي لا تعارض هذه الفكرة"، خرج وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون، ليقول إن "إسرائيل تعرف ما ستفعله"، إذا سلمت روسيا أنظمة الدفاع الجوي إلى سورية. لكن ماذا حدث بعد ساعات من تصريح يعالون المتسرّع!؟؟ أبرزت "القناة الثانية الإسرائيلية" أن "تهديدات يعالون ضد روسيا (أو سورية) لم تكن بالتنسيق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو". أي أصبح من الواضح أنه لن تكون هناك حرباً سورية إسرائيلية فقط!! هل تتحمّل إسرائيل إشعال حرب إقليمية أو دولية!؟ المجنون من يقول أجل؛   لأنها ستعني نهاية إسرائيل بالمعنى الوجودي!! ألا يعني استخدام مصطلح "الرؤوس الساخنة" الكثير من قبل المسؤولين الروس الباردي الرؤوس!؟

لقد أراد أعداء سورية وطوال أكثر من عامين تدميرها بالإعلام والحرب النفسية ولكنهم لم يتمكنوا، استقدموا جماعاتهم وأموالهم ثم لوّحوا بالحرب الخارجية، وعندما جدّ الجدّ؛ خافوا هم من الحرب أكثر مما خافت سورية، بل ظهر، وكأنها وحلفاءها، ينتظرون ارتكاب مثل هذه الحماقة لقلب موازين القوى بالكامل. يحاول الأعداء الآن أخذَ ما يريدون عبر ضغوط المفاوضات والتسويات، ونقول هيهات أن يكون لكم ذلك بعد كل هذا الصمود السوري الأسطوري!! قلنا منذ البداية وقبل عامين، إنكم لا تعرفون سورية؛ هل صدّقتم!؟؟

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.