تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل تخلّى الغرب عن أردوغان؟

مصدر الصورة
SNS

                                                                                                                                     7/6/2013

من المعروف أن الدول الغربية تستخدم حلفاءها أو ـ أدواتها ـ حتى تنتهي صلاحياتهم أو ينتهي دورهم فترميهم أو تتخلى عنهم، بل وقد تعاقبهم على فشلهم. وفي الحالة التركية مع حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، فهناك أكثر من ملاحظة يمكن إلقاء الضوء عليها للجواب عن السؤال التالي؛ هل الغرب تخلّى عن أردوغان وحكومته الإسلامية أم لا؟

أولاً، ليس سراً أن أوروبا ليست على عجلة من أمرها لانضمام تركيا، كقوة إسلامية عملاقة، إليها. والسبب أن النادي الغربي المسيحي يجد فوارق كبيرة بين دوله وتركيا وقد وضع الكثير من الشروط والمعايير لدخول تركيا إلى النادي الأوروبي. وبالتأكيد ستظهر معايير أخرى جديدة بعد انتفاضة الشعب التركي ضد تسلط حكومة أردوغان وتكسّر النموذج التركي وتهشّم صورة الديمقراطية التي يدّعي رئيس الوزراء التركي ممارستها في بلاده. هذا إذا حسنت النوايا. أما إذا افترضنا العكس فالسؤال حقيقة هو؛ ما هي حاجة أوروبا المنهكة بالأزمات المالية والاقتصادية وارتفاع معدل البطالة لضم بلد مثل تركيا إليها!؟ من هنا، فلا نستغرب أن تترك أوروبا أردوغان وحكومته يترنحان تحت حركة الشارع التركي حتى تضعف تركيا كلها أكثر فأكثر وتتراجع قوتها وتبتعد سنوات أخرى عن أوروبا! مَن يحتاج في أوروبا إلى عقل عثماني يبحث عن السلطنة في القرن الحادي والعشرين؟؟ ألا يلاحظ أردوغان عجز وحدود الدور الأوروبي في مساعدة اليونان والبرتغال...الخ.

ثانياً، عدم حاجة أمريكا لتركيا يدفعها للتخلي عنها، ويمكن تبيان أكثر من سبب لهذا الاتجاه؛ إن زيارة أردوغان الأخيرة لواشنطن فشلت فشلاً ذريعاً، وهو لم يستطع تحقيق أي من آماله أو طموحاته التي ذهب بشأنها ولاسيما في الشأن السوري؛ بل أكثر من ذلك فقد أجمعت أغلب التعليقات أن أردوغان واجه مطالب أمريكية كثيرة ليس أقلها التوقف عن دعم "جبهة النصرة" التي ترتبط بتنظيم القاعدة وتقاتل في سورية ضد الدولة السورية؛ وقد ظهر التباين الأمريكي ـ التركي واضحاً بشأن كيفية التعامل مع الأزمة السورية، وظهر التحول في الموقف التركي من الأزمة في سورية واضحاً بعد عودة أردوغان. وبالنتيجة، فماذا يمكن أن تقدم تركيا للولايات المتحدة في ظل الأوضاع والمتغيرات الدولية الحاصلة!!

ثالثاً، عدم قراءة أردوغان وفهمه للمتغيرات الدولية بشكل صحيح؛ لقد اعتبر رئيس الوزراء التركي أن التراجع الأمريكي والانكفاء عن الشرق الأوسط يعطيه الحق في التقدم لممارسة دور شرطي المنطقة و"قبضاي الحارة"، ونسي أن القوة الروسية العائدة للمسرح الدولي بشكل حازم وواثق، والعالم المتعدد الأقطاب الذي يجري بناؤه، وإيران التي تحيك سجادتها في المسرح العالمي منذ عشرات السنوات، وكل أصدقاء سورية، وكل أعداء تركيا وما أكثرهم، لن يسمحوا له بذلك لا في الشأن السوري ولا في شأن حماية مصادر الطاقة وحماية طرق إمدادها وسوق استهلاكها. والأساطيل الروسية الموجودة والقادمة إلى البحر المتوسط ليست في رحلة سياحية، بل لترسو هناك لحماية "الأمن القومي الروسي" كما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

والأهم من ذلك، هو التناغم الروسي ـ الأمريكي المتزايد لتجنّب تكرار أخطاء الحرب الباردة أو أي مواجهة لا تخدم الطرفين. وقد تكون نتائج قمة الرئيسين الروسي ونظيره الأمريكي باراك أوباما بعد عدة أيام في إيرلندا، أوضح رسالة لمن يريد أن يفهم كيف يجري تقاسم المغانم والمصالح. أوباما ـ بوتين لايفضلان العنتريات والشعارات الفضفاضة وفكرة الحروب المحلية التي تستنزف وقتهما وتضغط على اهتماماتهما ومصالح بلديهما وشركائهما في المنطقة والعالم. وعليه لايستبعد المرء أن يترك الطرفان العربة التركية تسير بأقصى سرعتها بعد نزع فراملها من قبل أردوغان نفسه!

عناد أردوغان (توازي هذه الكلمة الغباء، لأنها مكابرة وليست ثباتاً على الموقف) وتحديه وغروره و"مجاكرته" واحتقاره لشعبه تجعلنا نقول إن تركيا تسير نحو الهاوية بثبات. ومع مرور أكثر من أسبوع على الانتفاضة الشعبية التركية المستمرة، سيصبح طبيعياً أن نتوقع استمرارها أكثر ولاسيما أن صورة أردوغان بهتت وتشوّهت وأصبحت سلبية وغليظة ومملّة أكثر، وأنه سيصبح من الصعب أكثر إيقاف العربة التركية المسرعة نحو الهاوية.

في نهاية الحرب العالمية الأولى خسرت تركيا- وبسبب خياراتها الخاطئة- الكثير من إقليمها وحجمها، وخسرت مكانتها وتقاسم العالم تركة "الرجل المريض". وفي القرن الحادي والعشرين وبعد مغامرة أردوغان المجنونة في سورية وسعيه لدور سلطاني في المنطقة، لماذا لا يتكرر السيناريو وتخسر تركيا من جديد وتدفع ثمن خياراتها الخاطئة وتقسّم أكثر لتصبح دولاً إقليمية عادية لاتشكل خطراً على أحد!

هل يذكر أردوغان أن الغرب لايهمه سوى مصالحه، وإذا اقتضت تلك المصالح أن يُسقط الغرب تركيا ويُمزّقها، فلن يتردد!؟ ربما يعرف أردوغان ذلك ولكنه لا يتذكره، أو لا يريد أن يتذكّره، لأن شهوة التسلط والسيطرة تعميه الآن بالتأكيد!!

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.