تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أردوغان يتحدث عن تقسيم تركيا !!!

 

                                                                                                                                                                                   16/9/2013

 

قبل يومين تحدث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في احتفال داخلي عن أنهم يريدون تقسيم تركيا!! هل حقاً هناك مخططات لتقسيم تركيا أم أن الدولة العثمانية شاخت أكثر وبالتالي سوف تتوالى عملية تقسيم "الرجل المريض" نفسه كما حدث نهاية الحرب العالمية الأولى قبل قرابة مائة عام عندما تقاسم الغرب تركة الرجل المريض؟!

لا دخان من دون نار. وكلام رئيس الوزراء التركي وإن بدا يصبّ في خانة اتهام المعارضة العلمانية والتحريض عليها، إلا أنه لا يأتي من فراغ. التقسيم قد يكون قادما، ولكن ليس كما يزعم أردوغان؛ فهو وحكومته أصل البلاء والمشكلة في البلاد بسبب سياساتهما الطائفية والعنصرية الضيقة والمغلقة، وبسبب خياراتهما الخارجية القاتلة، وليس أحد آخر.

أن المشاكل الداخلية التي تعاني منها تركيا، والتي يعرفها القاصي والداني والانقسام الطائفي والمذهبي، تعدّ سبباً رئيسياً ومباشراً لتقسيم تركيا، ناهيك عن الأسباب الأخرى وسياسات الحكومة التركية التي قد تعجّل بموضوع التقسيم. فتركيا دولة لا هوية واضحة لها؛ هي في أوروبا وتنتهج سياسة إسلامية؛ تركيا تدّعي الديمقراطية وتحارب نصف شعبها وتمنع عنهم الحريات وتمنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم.  وبالمحصلة عندما يرى الناس خلال إدارتهم وضعفها وجهلها وعداءها، يبادرون لملء الفراغ واتخاذ خطوات ذاتية في السياق الذي يريدون ويرون أنها يخدم مصالهم، كما حدث قبل شهرين عندما عمّت المظاهرات تركيا بشكل مفاجئ.

في نهاية الحرب العالمية الأولى خسرت تركيا الكثير من الولايات التي كانت تابعة للدولة العثمانية نتيجة سياساتها الخاطئة. وفي بداية الأزمة السورية، تخوّف الكثيرون من المفكرين والمحللين والكتّاب الأتراك من تقسيم تركيا نتيجة سياسات أردوغان وتقلباته وطموحاته المريضة. إذا كانت تركيا الداخلية المنقسمة عملياً إلى ثلاثة أقسام (آخر التطورات، فشل اتفاق أردوغان مع الأكراد) هي نقطة الضعف الأولى في الجسد التركي فإن هناك نقاط ضعف أخرى تجتمع لتشكل الخطر الفعلي على الوحدة التركية؛

أولاً، الرفض الأوروبي المطلق لانضمام تركيا ـ كدولة مسلمة بحجمها الكبير ـ إلى الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي توضع في طريق هذا الانضمام تجعل من الصعب تخيّل حدوثه. صحيح أن تركيا تقع في الجزء الشرقي من أوروبا، ولكن الصحيح أيضاً أن "الحجاب" الأردوغاني والنموذج الأردوغاني قد فشلا، وكلاهما يرعب الأوروبيين، لاسيما بعدما شاهدوا مناظر الذبح وأكل الأكباد والتطرف الذي تدعمه تركيا ـ أردوغان في سورية!

ثانياً، الدور التركي كرأس حربة ضد دول الشرق؛ إيران وروسيا والعراق وسورية وغيرهم. هذا الدور الذي تمارسه تركيا لصالح الأطلسي وأمريكا يكلفها الكثير وسيكلفها أكثر. والسبب أن داعميها الغربيين لم يعودوا قادرين على حمايتها، ولم يعودوا قادرين على ممارسة دورهم الاستعماري بعد ولادة العالم الجديد المتعدد الأقطاب، وتراجع مكانة وقوة الولايات المتحدة والدول الاستعمارية القديمة، وفيما لا تفهم تركيا ولا تعي ذلك العجز.

بكلام آخر، أخطأت الحكومة التركية وأردوغان بقراءة المتغيرات الإقليمية والدولية وبتقدير دور روسيا الصاعد، وبقيت تركيا وحدها خارج مسار العمليات الجارية في المنطقة، مما سيرتب عليها الرضوخ لاحقاً للتسويات التي تفرضها المعادلات الجديدة على الخاسرين. آخر المواقف الغبية لأردوغان مطالبته بالحرب الأمريكية على سورية فيما واشنطن تعقد الاتفاقات مع روسيا.

بعد عشر سنوات من الصراخ من قبل أردوغان ووزير خارجيته، نجد أن تركيا عادت على نقطة الصفر في كل شيء؛ في الاقتصاد والسياسة والعسكر والأمن والحريات والديمقراطية...الخ.  مثلاً، علاقات تركيا الخارجية ولاسيما على مستوى الجيران والإقليم هي في أسوأ حالاتها؛ الليرة التركية لم تنخفض قيمتها كما حدث في الفترة الماضية! كيف يمكن لاقتصاد تركيا أن يكون جيداً وهي محاصرة من قبل جميع من حولها؟ الحديث عن قمع الحريات والإعلام في تركيا لم يكن كما هو الآن. إذن لماذا يحمّل أردوغان الآخرين المسؤولية عن خياراته الخاطئة؟

ربما كلام أردوغان استباقي لرفع سقف الهجوم على المعارضة قبل الاستحقاقات القادمة،ونعني الانتخابات الرئاسية وتليها البرلمانية , ولكنه كلام خطير ونؤكد على أخذه مأخذ الجد، لأن أرضية تنفيذه موجودة من خلال سياسات أردوغان نفسه التي وفّرت الأسس، داخلياً وخارجياً لتقسيم تركيا.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.