تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إلى متى تورّط السعودية الخليجيين بسياساتها؟!!

مصدر الصورة
SNS

 إ

19/9/2013

بديع عفيف

تعتبر منظومة دول "مجلس التعاون الخليجي" السّت من المنظومات الإقليمية الضيقة ولكنها الهامة جداً، ليس لحجم الكتلة البشرية التي تضمها، بل لحجم الأموال التي تسيطر عليها هذه المجموعة الصغيرة من الدول النفطية الغنية.

وفيما تعتبر بعض دول المجلس (البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، والكويت) محميات صغيرة جغرافياً لا تكاد تشاهد على الخريطة العالمية، ولا تتمتع بتاريخ عريق نسبياً، تنفرد السعودية بحجمها ومساحتها وبعض الخصائص ـ ولاسيما الدينية منها ـ التي تعطيها ميزات ومكانة تجعل منها القائد الفعلي لبقية دول الخليج. ولسنوات طويلة استغلت السعودية تلك المكانة ومارست سلطة الأخ الأكبر أو الهيمنة القوية على شقيقاتها الخليجيات، من الرياضة إلى السياسة. وقلّما اتخذت دولة خليجية قراراً لا يتناسب والسياسات السعودية إقليمياً ودولياً وعلى كافة الصعد.

ورغم الخط السياسي العام الذي تنتهجه هذه الدول والمؤيد بشكل عام للتوجهات الأمريكية الغربية، فقد حصل في السنوات الأخيرة تمايز لسياسات بعض الدول؛ قطر وعُمان. فقد اختطت قطر لنفسها في السنوات القليلة الماضية نوعاً من السياسة الخاصة لها والتي اتسمت بالاستقلالية وربما العدائية تجاه السعودية. وبرز "التشاحن" السعودي ـ القطري في عدة مناسبات، إلى أن عادت قيادة قطر الجديدة وهدأت حدة الخلافات مرحلياً، ربما بانتظار تطورات تسمح بعودة الدور القطري من جديد. أمّا عُمان، فلطالما كان لسلطانها قابوس طبيعة خاصة وعزلة خاصة وسياسة خاصة؛ ولعل الأبرز في هذا المجال تمايز عُمان عن بقية دول الخليج في علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فرغم الحملات الإعلامية السعودية القاسية والمتواصلة على إيران، فقد بقيت عُمان بعيدة عن أجواء التشنج والشحن هذه، وهذه ليست مسألة بسيطة يُستهان بها.

وفي السنوات الأخيرة، وبعدما شاخت قيادات المملكة السعودية (بلد كبير وضخم وعريق يسمّى باسم عائلة؟؟؟)، بدا وكأن أيادٍ كثيرة تقود دفّة الحكم في الرياض. وهذا ما يتجلى في المواقف المتناقضة التي تتبناها المملكة تجاه القضايا العربية والدولية، سواء في العلاقات العربية ـ العربية، أو بالنسبة للتطورات الداخلية في البلدان العربية أو في العلاقات مع القوى الدولية. وما يميّز السياسات السعودية في الأعوام الأخيرة هو غياب الرؤية الإستراتيجية والتكتيك الصحيح لحماية مكانة المملكة وعلاقاتها وتنوع مصادر هذه الحماية. فالسعودية تعتمد بالمطلق على الدعم الأمريكي أو المظلة الأمريكية. أمَا وقد بدأت الثقوب تظهر في هذه المظلة، فإن السعودية تقف شبه عارية ووحيدة بعدما أعلنت عداءها لدول هامة في المنطقة مثل إيران والعراق وسورية واليمن والسعودية بالأصل بعيدة عن دول الشرق القوية مثل الصين، ومعادية بحكم موقعها السياسي إلى روسيا العائدة للمسرح الدولي بقوة كبيرة. ولذلك وجدنا السعودية تحاول شراء الحكم الجديد في مصر بعد سقوط حكم الإخوان، وسحبت إلى جانبها كلاً من الإمارات العربية المتحدة والكويت، فيما بقيت قطر ضد هذا الاصطفاف وعارضته وبقيت عُمان بعيدة عنه. أما روسيا فسيكون من الصعب شراء ثقتها من قبل قيادة المملكة الإسلامية المتطرفة؟؟

السياسةُ السعودية القصيرة النظر والضيقة الأفق، أثبتت بشكل سريع فشلها في لبنان واليمن والعراق وسورية والبحرين وضد إيران وروسيا. ولكن حتى الآن يمارس الإعلام السعودي الخداع ويحاول عدم الإقرار بهذا الفشل، لكن الأمور لم تعد تنطلي على أحد. المسألة ببساطة أن السعودية تبنت خيارات تقوم على افتراضات معينة، ثبت أنها جميعاً غير صحيحة، فسقطت الخيارات السعودية؛ إذ كيف لدولة عربية بمكانة السعودية أن تفكّر بطرد مائتي ألف عامل يمني من المملكة ولا تعتبر ذلك فشلاً؟؟ السعودية طردت هؤلاء، بل أكثر من ذلك تقوم ببناء سياج أو جدار عازل بينها وبين اليمن، تماماً كما تفعل إسرائيل ضد الفلسطينيين؛ مع أن اليمن كان مطروحاً انضمامه لمجلس التعاون الخليجي؟! كيف تبرر السعودية الحملة التي تقودها سعودياً وخليجياً وعربياً لمحاربة نصف اللبنانيين وطردهم من أعمالهم في الخليج بحجة الإنتماء إلى حزب الله؟؟ كيف يمكن اعتبار تمويل السعودية وتدريبها  وتسليحها للإرهابيين وإرسالهم إلى سورية سياسة ناجحة وإسلامية وحكيمة واستراتيجية وتخدم الشعب السوري؟ الأمثلة على الإخفاقات السعودية كثيرة ويلحظها الكتّاب السعوديون أنفسهم وباتوا يخشون على مصير بلادهم لأنها تتورط أكثر فأكثر في مشاكل من صنع أيديها.

لكن المشكلة الأكبر أن السياسات السعودية بدأت تورّط الدول الخليجية الصغيرة التي بدأت تخشى على أمنها واستقرارها بسبب حالة الفوضى التي تعمّ المنطقة والتي تغذيها بعض الأطراف السعودية. ولن يمضي وقت طويل حتى تجد السعودية نفسها وحيدة في الطريق المخيف والقاتل الذي تتبعه. معظم الدول الخليجية الأخرى ليس لديها مبرر لحالة العداء التي تمارسها السعودية ضد الدول والأطراف الأخرى، ولا هي راغبة بالسير في هذا المنحى المتهوّر وقد تتخلى قريباً عن مجاملة الشقيق الأكبر وتبحث عن مصالحها الخاصة في السياسة والأمن والاستقرار والاقتصاد والمجتمع والثقافة والفكر بعيداً عن هياج الجنون السعودي!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.