تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوباما ليس متردداً ولا جباناً وإنما واقعياً؟!!

مصدر الصورة
SNS

 

                                                                                                              21/9/2013

تضج وسائل إعلام الدول الداعية إلى الحرب على سورية وفي مقدمتها الصحف السعودية، بمقالات وافتتاحيات تتحدث عن شخصية الرئيس الأمريكي باراك أوباما المترددة وتجتهد في تحليل أسباب إحجامه عن العدوان على سورية وقبوله المبادرة الروسية بشأن السلاح الكيماوي السوري. وتُلقي هذه الوسائل بالمسؤولية على شخصية الرئيس الأمريكي ذاتها المترددة والفاقدة للقدرة على اتخاذ القرار، وأنه وضع خطوطاً حمراء ونسيها، وأهينت الولايات المتحدة وتهشمت صورتها وصورته...الخ، دون النظر إلى الأسباب الموضوعية لرفض أوباما الانخراط في حرب جديدة مُهلكة يزجّ بها بلاده.

قد تكون تلك الوسائل تؤدي دوراً تحريضياً ليقوم الرئيس الأمريكي بما تشتهي بلدان الحرب على سورية القيام به لعجزها عن خوض هذه الحرب مباشرة. ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في كلمة بمنتدى " فالداي" الدولي للحوار الخميس 19 أيلول ما يشبه تبرير أو تفسير الموقف الأمريكي من وجهة نظر موضوعية وقانونية، ومن وجهة تقدير المصالح الأمريكية التي يمثلها موقف نظيره الأمريكي؛ إن "الرئيس الأمريكي قرر تأييد المبادرة الروسية انطلاقاً من تحليلات واقعية للوضع، وليس في محاولة "لإنقاذ ماء وجهه" بعد أن واجه معارضة لخططه العسكرية بشأن سورية... أن استخدام القوة ضد سورية سيصبح ضربة إلى النظام العالمي قبل كل شيء". وأشار إلى أنه "إذا كانت دولة ما عندما تشعر نفسها غير قابلة للقهر، توجه ضربات إلى من تريد استهدافهم، فسيؤدي ذلك إلى تقليص نفوذ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والنظام العالمي نفسه إلى نقطة الصفر".

إذن في حسابات القوة الأمريكية فإن العدوان على سورية كان من السهل جداً البدء به، ولكن كان من الصعب معرفة أي اتجاه سوف يسلك وأي نهاية ستكون له، ومتى سينتهي، وما هي أضراره على دول الجوار السوري، وعلى الاقتصاد العالمي ولاسيما أسعار النفط والذهب والبورصات، وما هي أضراره وتكلفته على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم.

فالتحليلات الواقعية تقول إن سورية لم تكن وحيدة في مواجهة تلك الحرب وإن الأساطيل الروسية لم تأت إلى المتوسط للعرض العسكري أو للسياحة، بل للتأكيد على الموقف الروسي الجدي بالدفاع عن المصالح الروسية في المنطقة وتحديداً في سورية. والتحليلات الواقعية تؤكد أن لا اجماع دولي ـ ولاسيما بين حلفاء واشنطن ـ على العدوان على سورية وأن حدوث هذه الحرب ـ الضربة، خارج مجلس الأمن الدولي وشرعية الأمم المتحدة (لأن روسيا والصين لن تسمحا بشرعنته في مجلس الأمن)، هو عدوان وخرق للقانون الدولي، وبالتالي هو ضربة ليس لسورية وحدها وإنما للنظام العالمي قبل كل شيء. بكلام آخر، فإن شنّ هذه الحرب كان بكل بساطة سيقوّض الأمن والسلم الدوليين في المنطقة والعالم، وبالتالي سيقوّض مكانة الأمم المتحدة ويهدد الاستقرار العالمي نفسه إلى نقطة الصفر، لأن غرور القوة التي تمتلكها الولايات المتحدة لم يعد حقيقياً، والشعور بأن  الولايات المتحدة غير قابلة للقهر، لم يعد واقعياً.

وربما هذا هو بالضبط ما تحدث عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني في مقالة له نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الجمعة 20/9/2013 عندما أكد أن "المقاربة الأحادية للأزمات، والتي تمجد القوة وتزرع العنف، ليست قادرة بكل صراحة على حل المعضلات التي نواجهها، كالإرهاب والتطرف... وأن الأميركيين أدركوا هذه الحقيقة منذ 12 عاماً".

فالحاجة الدولية التي تفرضها العلاقات الدولية الآن هي التعاون الدولي في حل مشاكل العالم ومواجهة التحديات الكونية من مرض الإيدز والسرطان والتغيير البيئي والمناخي ونقص الغذاء والتطرف والإرهاب العابر للحدود إلى التخلص من السلاح الكيماوي والنووي والحد من انتشار كل أسلحة الدمار الشامل. والأمريكيون الذين خاطبهم روحاني، براغماتيون وتهمّهم مصالحهم ويبحثون عنها بالدرجة الأولى، وليس عن الشكليات والمظاهر أو الأحقاد الشخصية التي يركّز عليها بعض عرب الخليج أو تلك التي تسيّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، والتي هي ناجمة عن قصر نظر وخطأ التوجه وغياب الرؤية الإستراتيجية التي تضمن مصالح هذه البلدان وشعوبها. وإن الإجابة عن سؤال واحد تكفي لفهم ما نقول: أين كانت تركيا قبل حربها على سورية وأين أصبحت بعدها؟! ومثلها قطر وستكون السعودية.... والسبب أن حسابات قيادات هذه البلدان لم تكن لخدمة شعوبها والأمن والسلام والاستقرار الإقليميين، ولأن هؤلاء القادة لم يقرؤوا المعطيات الجديدة في العلاقات الدولية.. ولنتذكّر مراهناتهم في بداية الأزمة السورية على تغيّر مواقف إيران وروسيا من سورية، وللأسف ما زالوا ـ بعد كل الذي حصل ـ يراهنون على مثل هذا التغيير ويخدعون أنفسهم وشعوبهم. الأمريكيون، والغرب عموماً، لا تهمهم الخطوط الحمر أو الصفر أو ماذا يقال عنهم؛ المهم بالنسبة إليهم مصالحهم أولاً وثانياً وثالثاً... وعندما نقول مصالحهم، نعني من ضمن هذه المصالح، مصالح إسرائيل وأمنها الذي كان سيتراجع إلى نقطة الصفر، بعد بداية أي عدوان على سورية!!

الذين يقرعون طبول الحرب على سورية لم يفهموا "حدود" القوة الأمريكية التي فهمها الأمريكيون أنفسهم منذ اثني عشر عاماً كما قال الرئيس روحاني، ولا الواقع الجديد الذي بدأ يرسمه الحضور الجديد لروسيا العائدة بقوة للمسرح الدولي، ولا البحث الأمريكي عن قنوات للتفاوض مع إيران وسورية وبالطبع روسيا ـ بوتين قبلهما، ولا موقف الصين ودول البريكس ولا اتجاهات الرأي العام في أوروبا وأمريكا الرافضة للحرب.

لقد سقطت ورقة التوت عن دعاة الحرب الفرنسيين والأتراك والسعوديين ومن لفّ لفهم، بعدما تبيّن أن ما يجري في سورية ليس حرباً أهلية ولا ثورة وطنية، خاصة بعد المذابح والمجازر التي يرتكبها الهمج ممن يصفونهم بالثوار، وبعد مشاركة إرهابيين ومسلحين ـ مع ما يسمى زوراً المعارضة السورية ـ من أكثر من ثمانين دولة في الحرب ضد الدولة السورية وشعبها المسالم وحضارتها العريقة وتاريخها وتراثها الذي يمثّل تراث الإنسانية.

إن ما جرى ويجري في سورية تم تشويه حقيقته والتعتيم عليها لأكثر من ثلاثين شهراً متواصلاً عبر الضخ الإعلامي واختراع الأكاذيب والفبركات والتهويل والهروب إلى الأمام والاتهامات الباطلة ورفع شعارات براقة مخادعة، ولكن الحقيقة بدأت تنجلي بشكل واضح وبدأت المواقف تتغيّر وتنكشف. مسألة وقت ويتعرى دعاة الحرب ويبقون وحدهم إلى أن تلفظهم بلدانهم وتحاسبهم ويطردهم المجتمع الدولي خارجه وترتاح سورية منهم ومن أدواتهم وإجرامهم.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.