تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غزوة باب الهوى!! استلام وتسليم

برزت في الأشهر الأولى من الأزمة السورية ظاهرة الانشقاق الافتراضي في تشكيلات الجيش العربي السوري، والافتراضي الذي سجلوه في وثائقهم في الخارج أطلقوا عليه تسمية الجيش الحر وسخّروا له أكبر وأوسع المؤسسات الإعلامية الدولية إضافة للمؤسسات الصغيرة في الدول التابعة لأميركا لدرجة أن شعوباً لا تعرف سورية صارت تعرف الجيش الحر، وأقلهم اعتقده الجيش الشعبي الفيتنامي أو الصيني إبان التحرير، وكاد يترسّخ حقيقة واقعة في مخيلة الكثيرين المتعاطفين مع (النظام) الذي رافق الأشهر الأولى وصار كما رأيته منذ زمن أنه تحول إلى دولة قوية أظهرت براعة فائقة في ترتيب الانتقال من النظام إلى الدولة بصهر كل مكوناتها لتبرز فيها مركزية القرار ولا مركزية المسؤوليات، فمركزية القرار كان على الصعيدين السياسي والعسكري في رئاسة الجمهورية كقيادة أعلى للقوات المسلحة وذراعها الذي أثبت براعة متميزة في إدارة العمليات القتالية المتمثل بوزارة الدفاع بما لها من حضور يومي من خلال توجيهاتها القتالية الآنية مع كل التشكيلات من أصغرها إلى أكبرها.

 وعلى الصعيد السياسي كان الأمر موازياً تماماً للجهد العسكري، حتى بدا للكثيرين أن يداً واحدة تحرك كل عناصر المواجهة، وهي حقيقة كما يبدو وهذه اليد اسمها الدولة السورية وعلى رأسها السيد رئيس الجمهورية.

وفي هذا المسار برزت لا مركزية المسؤوليات المتمثلة في عمل كل وزارة في مجال مسؤوليتها باتجاه واحد وهو استمرار عمل مؤسساتها التابعة والحفاظ على هذه الاستمرارية دون العودة إلى رئاسة الحكومة إلا عند نفاد الإمكانات المتوفرة.

هذا الجيش الذي ألبسوه ثوب الحر وسلّحوه بكل موديلات السيارات المفخخة وما يلزم لإيصالها للتجمعات السكنية من أسلحة خفيفة ومتوسطة كان ظاهراً للكثيرين أنه لا يعدو كونه إطاراً نظرياً لتجميع المرتزقة الداخليين منهم العاطلون عن العمل ومن يرغب بزيادة مداخيله المادية ومنهم من أعمت فضائيات الفتنة قلوبهم وعقولهم المريضة بروح الطائفية، والأهم من ذلك وعاء سورية لاستقدام مرتزقة الخارج الغيورين على الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية وهم لم يخبروا أياً من تلك المفاهيم في بلدانهم سوى حرية الذهاب للجهاد في سورية وحقوقهم في قتل الإنسان السوري بتهمٍ مختلفة.

منذ بداية الأحداث كنت والكثيرين نقول إن مفهوم الانشقاق الذي بني عليه هذا الوهم لا ينطبق على الأفراد مهما كانت مستوياتهم العسكرية، وإنما على تشكيلات مهما كانت حجومها أو مهامها، فابحثوا له عن اسم آخر.

وظل رهاننا على تفككه فترة طويلة أكثر من عمره الافتراضي، لكن العمليات العسكرية التي كانت تنفذ باسمه كانت تتسع وتتعمق بما يوحي بوجود قوى خفية تعمل تحت ذلك الاسم ولم يتأخر كثيراً الإعلان عنها أنها الشركة الدولية للاستثمار الحربي أي القاعدة الموضوعة نظرياً على قائمة الإرهاب لدى مشغليها في الولايات المتحدة.

ولأن القاعدة هي المؤسسة الأم وقد اختارت أن يكون لكل جناح منها تسمية تختص بمكان عملها عرفناها في سورية جبهة النصرة لبلاد الشام التي دخل تحت عباءتها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ورغم اختلافهما على المرجعية وقيادة العمل الميداني فقد اتفقتا على التخلص من بقايا ما دعي الجيش الحر لاختلافهما معه على البرنامج السياسي، ولم يقف حدود الاختلاف عند حدود تضييق مساحاته الضيقة، وإنما الإجهاز عليه بالضربة القاضية لأوكار أركانه على الحدود التركية، والاستيلاء على مخزوناته من المساعدات غير القاتلة المقدمة إليه من أعداء سورية حلفاء القاعدة والتي لا يعدو كونها بضعة أطنان من الذخائر والأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبعض الثقيلة وأبرزها إنسانية هي الصواريخ الأحدث من مصانع الإنتاج الحربي في الغرب وإسرائيل المضادة للدبابات والطائرات.

لكن هناك تساؤلات كثيرة من المحللين العسكريين رافقت عملية الغزو أو السطو أو غير ذلك. فما هو غير ذلك؟ في العلم العسكري يعتبر من المحرمات السماح للعدو بالاستيلاء على مقر العمليات لأن أهميته لا تكمن في مستودعات سلاح أو غيره، وإنما ما يحويه من وثائق وخطط فخسارتها لا تكمن بمضمونها فقط، وإنما بعقلية إدارة المعارك والمدرسة العسكرية والإستراتيجية التي يعمل بها الجيش، ولتلافي المحظور توضع خطط إتلاف كل ما يفيد العدو وتدمير الموقع من قبل شاغليه لعدم إفادة العدو منه.

هذا الأمر يسقط فيه كل ما تقدم أهمية موقع الأركان، فلا هو جيش ولا الأركان مقر قيادة أكثر من كونه ملجأ على بضعة أمتار أو كيلومترات على الحدود السورية التركية، لكن أهميته مرتبطة بتفاصيل الحالة السورية، ومرتبطة بزمن وقوع الحالة في إطار ما يعلن عن مساع دولية لوقف نزيف الدم السوري، وأول خطواته الصادقة هو وقف تدفق السلاح من الخارج، ومع كل ما يعلن فالسوريون يدركون تماماً ويميزون بين القوى الحريصة على الدم السوري، والقوى التي ترى مكاسبها في إهراق المزيد منه وأقصد هنا إسرائيل ومن يعمل لتأمين مصالحها.

وبالإشارة لزمن حدوث هذه الحالة لا بد من التذكير بما تعمل عليه الولايات المتحدة الأميركية من ذر للرماد بالعيون من خلال الإعلان الرسمي عن القاعدة كتنظيم إرهابي، وتأخذ مزيداً من الوقت لضم دولة العراق الإسلامية إلى تلك اللائحة المزعومة، ووقتاً أكثر لجبهة النصرة، وهو ما يشير إلى حقيقة خدمات تلك المنظمات للمشاريع الأميركية، وهو ما يقود لليقين أن الولايات المتحدة الأميركية ترعى مشروعاً إسلامياً في العالم العربي وإن تنوعت ألوانه طالما يسعى لإقامة دويلات دينية تسوّغ يهودية إسرائيل وهذا جانب من خدمة المشروع الصهيوني الذي وصل مرحلة إعلان يهودية الدولة لتنتقل منها إلى ترويض العقل الدولي لقبول الوعد التوراتي من الفرات إلى النيل.

على ما تقدم يمكنني الحكم على أن عملية السيطرة على مقر قيادة ما يدعى الجيش الحر ليس إلا عملية نقل الأسلحة والذخائر (غير الفتاكة وفق التعبير الأميركي) من يد من لم يعد قادراً على استخدامها لتراجع دوره ومساحاته على الأرض لأيدٍ قادرة على ذلك وهي القوى الإسلامية التي تتقدم إلى سيدها الأميركي على أنها القوة القادرة على الاستمرار بدورها في وقت تكثر التسريبات عن جهود لجعل مواجهة الإرهاب هدفاً مشتركاً للدولة السورية والمعارضة السورية المسلحة، واحتمالات إيجاد صيغة تعاون في هذا الاتجاه، وهو ما يعيد خلط الأوراق من جديد في وجه أميركا وأتباعها. الياس غصن ابراهيم محلل عسكري وسياسي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.