تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمـــا وعويـــلا


د. ندى الحايك 

انما الأمم الأخلاق ما بقيــــــت        

                              فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

بيت شعر مأثور لأحمد شوقي من ضمن قصيدة درسناها في المدرسة،  حفظنا هذا البيت عن ظهر قلب، ونسمعه باستمرار عندما يتعلق الأمر بالأخلاق، ولكن من يطبقه؟!

لم يكتب شوقي قصيدته عن الأخلاق إلا بعد رأى من فساد الخلق ما استفزه، ولم يكتف بها بل كتب غيرها ،  وقد كان شعاره أن تبنى الدولة الحديثة على الأخلاق، ومعه كل الحق في ذلك، فأية دولة لا تبنى على الأخلاق مصيرها الدمار.  

ما يدعوني الى تذكر قصائد شوقي عن الأخلاق الا الحال الذي وصلت اليه أمتنا العربية بشكل عام، وشعبنا الفلسطيني بشكل خاص، حال مزر ذهبت فيه الأخلاق الى غير رجعة، بحيث أصبح أصحاب الأخلاق العالية قلة في هذا الزمن البائس.

كنا في السابق نتغنى بأخلاقنا وتفانينا للآخرين، كان التلاحم والتعاضد والتكافل شعار شعبنا ، بخاصة في فترة الانتفاضتين اللتين كان همّ الانسان فيهما أن يساعد أخاه الانسان، ويقف معه في محنته، بل ونتسابق من أجل أن نقوم بواجبنا تجاه اخوتنا ومن هم حولنا، والأهم تجاه وطننا.. ولكن ماذا حصل لنا الآن؟ والى أين ذهبت أخلاق العديدين والتي ذهبت معها المشاعر والتعاضد والتكافل.. نتشاجر لأتفه الأسباب، حتى الأخ مع أخيه والابن مع أبيه والبنت مع أمها وأختها و...

موجة الثلج الماضية كشفت عن مدى تمتع البعض بـ"الأخلاق"، فلم نجد التعاون والتعاضد بين الجيران مثلاً لازاحة الثلج عن مداخل البيوت او المحال التجارية، وكل كان يزيله فقط عن جهته، أو تجد الشبان واقفين يراقبون رجلاً طاعناً في السن يزيل الثلج عن باب دكانه وهم يتفرجون ولا يحركون ساكناً لمساعدته.. وحالات أخرى كثيرة مشابهة رأيناها وسمعنا عنها.. فأين العونة التي اشتهر بها مجتمعنا في السابق، حيث كان الجميع يهبون من أجل مساعدة من يحتاج الى مساعدة في أي ظرف أو حاجة كانت.  

خلافات ومشاكل وكلمات شتم يندى لها الجبين واقتتال بين الكثيرين، وللأسف لأتفه الأسباب، وبخاصة في مدينة القدس، التي لا يكفيها انتهاك الاحتلال لحرمتها وقداستها، بل ويقوم بعض أبناؤها أيضاً بانتهاك حرمتها وتدنيسها بخلافاتهم التي نسمع عنها كل يوم حتى بين أبناء العائلة الواحدة، فأي سبب مهما كان يعطي الحق للبعض لأخذ القانون بيدهم ليضربوا وينكلوا ويحرقوا ويعتدوا على الآخرين، وأين نحن مما يجري في قدسنا من هذه المشاكل التي أصبحت ظاهرة سيئة،  بالاضافة الى الظواهر الأخرى التي تنخر عظام قدسنا، وما من أحد يوقفها.

وللأسف فان الخلافات في مجتمعنا الفلسطيني أصبحت تأخذ منحى آخر..  جرائم القتل أخذت طريقها الى مجتمعنا، بعد أن كان من النادر جداً أن تسمع عن جريمة قتل، وان حصلت فان الجميع كان يستنكرونها وينبذون من يقوم بها، وتحولت هذه الجرائم الى ظاهرة تفشت في مجتمعنا كالسرطان، حتى الأطفال وقعوا ضحيتها..  فبأي ذنب يقتل الأطفال الأبرياء.. وكم  من طفل أو طفلة قتلوا بدم بارد كما حصل مؤخراً مع الطفلة هديل الصوري ذات الأعوام الأربعة من النصيرات التي قتلها عمها .. نعم عمها!! وأي حال أسوأ من هذا الحال!! فأي عم هذا يسمح لنفسه بأن تمتد يديه على طفلة صغيرة بريئة ليخنقها من دون رحمة أو شفقة مهما كانت الأسباب!!

وكم من شابة قتلت بحجة ما يسمى "شرف العائلة" حتى من غير أن يتم التأكد من قيامها بالفعل الشائن بكامل ارادتها، وحتى تقتل في حال تعرضها للاغتصاب، وحتى لأسباب أخرى كنزاع حول الميراث، أو لخلافات عائلية فيستخدم القاتل مصطلح "الحفاظ على شرف العائلة" وسيلة  للتغطية على جريمته البشعة وللتخلص من العقاب.. فمن الذي أعطى هؤلاء القتلة الوحوش الحق ليكونوا القاضي والجلاد  لشابة أو حتى طفلة من دون وجه حق، حتى وان أخطأت فليس القتل هو الحل، فمن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، ولكنهم يفعلون – كما يقول المثل-  السبعة وذمتها ثم يتبارون لقتل الفتاة. أعداد قتل النساء تتزايد مع كل سنة بدل أن تتناقص، فلماذا وأين القانون الفلسطيني من هذه الظاهرة البشعة،رغم كل الأصوات التي تعالت وتدعو لاتخاذ اجراءات حاسمة، وقوانين رادعة لكل من تسول له نفسه لأن يكون القاضي والجلاد لفتياتنا، والذين يتناسون المجرم الحقيقي الذي يهتك عرض الفتاة ويعاقبون الضحية بدل الجاني.

يا أبناء شعبنا.. ان أي حضارة أو دولة حقيقية لا تقوم إلا على الأخلاق، لذلك فان هذا الذي يحدث يضعف من عزيمتنا وقوتنا ووحدتنا..  يكفينا ما نعانيه من الاحتلال من ضربات قاسية موجعة وجرائم وحشية بحقنا.. يكفينا ما نواجهه من مؤامرات تستهدف القضاء علينا.. فلماذا نكون نحن أيضاً الأداة التي تحقق لعدونا ما يريده، ولماذا نساهم نحن أيضاً في قتل أنفسنا والقضاء علينا بهذه الظواهر السلبية المقيتة التي نسكت ونصمت عليها ولا نعمل بشكل جدي من أجل القضاء عليها..

لماذا لا نقف يداً واحدة في وجه كل من فقد أخلاقه ومن تسول له نفسه العبث بمجتمعنا، وتفكيك وحدته من أكبر قيادي حتى أصغر طفل.. وصدق علي ابن طالب حين قال: ان كان لا بد من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الأخلاق ومحامد الأفعال..

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.