تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«أمانة أمانة ... يا عاصمة!»


كان اسمها في الماضي البعيد «أمانة العاصمة». وكان يسهر عليها رجالات كبار يملؤهم الإيمان بالله وبالوطن، ويسندهم القانون، ويسيّرهم الحق... 
ومرت السنوات وتبدل الزمن...
ورحل كبار الرجال... وهاجر الحق حزناً عليهم...
وغدا القانون عجوزاً ففقد سيطرته على الشباب..!
وهكذا وجدت «الأمانة» نفسها وحيدة لا معيل لها ولا سند، فابتدأت تنسحب شيئاً فشيئاً حتى أصبحت العاصمة عارية تماماً إلاّ من الإصابات والتجاوزات فراحت تستغيث « يا ناس يا عالم... من سيحافظ عليّ ؟ من سيحميني؟»..
وهنا تنبه أصحاب الشأن... فتحمسوا وهتفوا «نحن هنا للحفاظ عليك»... وسُميت منذ ذلك الزمن: «المحافظة»!!
لكن الفارق بين التسميتين كبير ! فالأمانة من الإيمان! أمَّا المحافظة... فبنت الظروف... تتغير وتتبدل...
وكما نقول بالعامية «بتاخد وبتعطي!»..
 
 
قصص المحافظة كثيرة ومعروفة وأي مواطن ساكن دمشق يستطيع أن يروي لنا بعضها...
أما أنا فسأتوقف عند موضوع واحد غريب عجيب يتكرر على الدوام حتى بدا كالوباء الذي لم يجدوا له دواءً..
وها أنا أطرحه على شكل سؤال علنا نجد له العلاج...
 
 
نحن نعلم بل «من البديهي» أنه إذا كانت هناك دعوى مقامة أمام القضاء تعرض نزاعاً بين أشخاص حول ملكية عقار أو طلب ترخيص أو ضبط مخالفة أو تحويل عقار سكني إلى مقهى أو شق طريق في حي ما...إلخ من هذه المواضيع المتعلقة بالعقارات وتنظيم المدينة والمطروحة أمام محاكم دمشق.
وكانت المحافظة تريد أن تتدخل في هذه الدعوى لسبب يخصها أو لأن أحد الأطراف المتنازعة طلب منها ذلك...
فالمفروض بل أيضاً «من البديهي»... أن تقدم المحافظة ما لديها من وثائق ومعلومات إلى المحكمة وأن تتابع سير الدعوى وأن «تنتظر» مع المتنازعين صدور الحكم القطعي.
أكرر: عليها أن «تنتظر» حكم المحكمة ليحق لها أن تثبّت الحق الناتج عن الحكم في سجلاتها ودوائرها.
 
 
أما أن تتفق المحافظة مع أحد الأطراف المتنازعة متجاهلة تماماً المحكمة المعقودة والقضاء ... وأن تثبّت لهذا الطرف في سجلاتها ما قررت هي سلفاً أنه «حقه»... وقرر أهل المنطق أنه ليس «من حقها»! 
وأما أن تجد المحكمة نفسها فجأةً عاجزةً، وقد تطاولت على صلاحياتها جهة أدنى، وفرضت عليها واقعاً مسجلاً يفرض عليها الحكم سلفاً... ويجد الطرف المظلوم أنه ما عاد أمامه إلاَّ أن يرفع ذراعيه صوب السماء متمتماً «لا حول ولا قوة إلاّ بالله.. أمانة يا عاصمة!».
 
 
فنحن نتساءل أين هيبة القضاء والقانون والحق التي هي أساس كيان الدولة وأصل تقدم البلاد وازدهارها... والأهم:
في هذه الأيام الصعبة القاسية التي تقف فيها سورية في وجه العالم صامدةً عزيزةً شامخةً برئيسها العظيم وجيشها العظيم وهذا الشعب العظيم المتفاني من أجل كرامة الوطن... 
هل من يشرح لنا أو يبرر هذا التصرف الداخلي الغريب كي لا نضطر وسط هتافاتنا الوطنية الحماسية المتعالية صوب السماء أن نستغيث فيما بيننا... 
«أمانة... أمانة يا عاصمة...»
 
                                                                                                                         كوليت الخوري

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.