تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رأي البلد:إذا لم يكن ما يحصل هو نهاية الأحادية الأمريكية، فما هو إذن؟!!

مصدر الصورة
SNS

                                                                                                                                      22 /5/2014

 

لم يعد سراً أنّ هناك تحولاً في الموازين الدولية. وهذا التحول سياسي واقتصادي وعسكري. وبالتالي سيكون مالي وثقافي ومجتمعي وغير ذلك. سنتحدث في هذا المقال عن الشراكة الصينية الروسية الناشئة ودلالاتها ومنعكساتها على البلدين والمنطقة والعلاقات مع الغرب عموماً ولاسيما أوروبا والولايات المتحدة.

أولاً، في المجال الاقتصادي: بالامس وقّعت روسيا والصين أضخم اتفاق في العالم لتوريد 38 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي إلى الصين ولمدة ثلاثين عاما، وفقا لشروط "مرضية". وتم التوقيع طبعاً بحضور الزعيمين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ. هل يعني ذلك شيئاً؟! الجواب أتى من اوروبا فوراً. فقد دبّ القلق مباشرة في المفاصل الأوروبية، وسارع الاتحاد الأوروبي إلى دعوة الرئيس بوتين الى احترام "تعهده" (وهل احترم الأوروبيون تعهداتهم يوما؟) بالاستمرار في "تسليم" الغاز الى أوروبا. وكتب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو في رسالة الى القيصر الروسي بوتين "طالما استمرت المحادثات الثلاثية" بين روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، "يفترض ألا تتوقف امدادات الغاز، إني أعوّل على روسيا الاتحادية للتمسك بهذا التعهد".

أوروبا التي تعتمد على الغاز الروسي بشكل واسع، كانت تفترض ـ حتى اليوم ـ أن روسيا لن تجد سوقاً بديلاً. ها قد وجدت موسكو السوق البديل والدائم ومع شريكها الاقتصادي والسياسي، فماذا يفعل الأوروبيون غير التراجع وتقبيل يدي الرئيس الروسي كيلا يقطع الغاز الروسي عن القارة العجوز الفاجرة؟! لا حاجة لشرح وتأكيد خطورة الصفقة الروسية ـ الصينية على الغرب كلّه وأوروبا تحديداً؛ الصفقة تقول: نحن لا نحتاجكم، أنتم من تحتاجوننا وعليكم الإذعان وتلبية مطالبنا!! هذا لن يصرف في الاقتصاد فحسب، بل في السياسة أيضاً. إذن، النتيجة الأولى التي على أوروبا مواجهتها هي تسديد ديون أوكرانيا المترتبة عليها تجاه روسيا بسبب فواتير الغاز الثقيلة السابقة، أو التخلي عن أوكرانيا نهائياً. والنتيجة الثانية والمباشرة هي أنّ على أوروبا الاستعداد للتعامل مع التكتل الاقتصادي الجديد كقوة اقتصادية عالمية جديدة لها "شركاءها الجدد" وشروطها وقوانينها وأنظمتها التي لا تخضع للابتزاز؛ نعم ستتحدى وتوقف الابتزاز الأوروبي.

<<هدف حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا هو الوصول إلى 100 بليون دولار بحلول 2015>>

وهذا يطرح تساؤلاً مهماً؛ كيف سيواجه الاقتصاد الأوروبي والأمريكي المتداعيان القوة الاقتصادية الجبارة الجديدة؟ وهل البلدان الآسيوية الأخرى والأمريكية الجنوبية، ستقف على الحدود أو في صف الخاسرين؟ أضف، أنّ إيران والعراق النفطيان يقعان ضمن الفلك الجديد، فيما الهند تميل إليه من قلبها، وهذا حقها لأنها تفكر في مصالحها وتسعى لتحقيقها!! ألا يمكن القول إن قمّة شنغهاي هي قمة الأغنياء والأقوياء؟!! وكيف يمكن قراءة الاتفاقية التي وقعت بين مؤسسة صناعة الطائرات المتحدة "أواك" الروسية وشركة الطائرات التجارية الصينية "كوماك"، للبدء قريباً بتطوير طائرة مدنية ضخمة للمسافات البعيدة، إذا لم يكن ذلك لمنافسة شركتي "الإيرباص" و"البوينغ" وكسر احتكارهما للسوق العالمية؟؟.

ثانياً، في المجال السياسي والعسكري: لقد أتت قمة شنغهاي بين الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس، فيما تشهد علاقات روسيا والصين توتراً مع الولايات المتحدة، وفيما تواجه بكين خلافات بحرية مع جيرانها (فيتنام واليابان والفيليبين)، وفيما تواجه روسيا الأزمة الأوكرانية على خاصرتها والأزمة السورية في عمقها الإستراتيجي (ولا يخفى في الأزمتين الأوكرانية والسورية اليد التخريبية الغربية والدهاء الغربي لحصار روسيا). على أي حال، فقد أطلق الرئيسان الروسي والصيني مناورات بحرية مشتركة، واتفقا على ضرورة حل أزمتي أوكرانيا وسوريا بالحوار، واتفقا على توسيع أطر التعاون في كل المجالات، وعلى تنسيق الجهود الديبلوماسية لتقوية "شراكة التعاون الإستراتيجية الشاملة بين البلدين". والأهم أنّ الرئيس الصيني اعتبر أنّ "زيارة بوتين الحالية ستكون مثمرة للغاية". كيف يمكن أن تكون الزيارة مثمرة أكثر مما حصل، وبعد كل الاتفاقيات التي وقّعت.

والحقيقة أن البيان الذي أعلنه الرئيسان، مهم جداً في الإطار السياسي وتحديد اتجاه العلاقات الدولية.

1) حصل بوتين على دعم نظيره الصيني  في قضيتي أوكرانيا وسورية، وشجبت روسيا والصين محاولات التدخل العسكري الأجنبي في سورية، وأيدتا الحكومة السورية والمجتمع الدولي في مسعى تخليص سوريا من الأسلحة الكيميائية.

 2) أعلن الزعيمان أن روسيا والصين تدعوان كل الأقاليم الأوكرانية والمجموعات السياسية والاجتماعية لبدء الحوار، ووضع نظرية لتطور البلاد الدستوري تتضمن احترام حقوق المواطنين".

3) أكد الرئيسان أن روسيا والصين ستتصديان لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدول.

4) دعا الطرفان إلى ضرورة التخلي عن لغة العقوبات الأحادية الجانب، وتمويل أو تشجيع النشاطات الرامية إلى تغيير النظام الدستوري في أية دولة أو إلى جرها إلى اتحادات متعددة الأطراف أو أحلاف.

ماذا يعني كلّ ذلك غير الوقوف في وجه المخططات الغربية، والطريقة الاستعمارية التي تتعامل بها الدول الغربية مع بقية الدول الأخرى من أفغانستان إلى العراق وليبيا وسورية وغيرها؟! ألا يعني ذلك أنّ الفيتو الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن الدولي لا يزال صامداً وقد يتكرر في كلّ مرّة يحاول الغرب القفز فوق المصالح الوطنية والقومية للدول الأخرى؟! ولكن كيف يمكن فرض القرارات المتخذة السياسية والاقتصادية وإعطاءها القوة التنفيذية ؟

الجواب جاء قبل تلك القرارات. فقد أطلق الرئيسان الصيني والروسي مناورات بحرية مشتركة قبالة شنغهاي، وأعلنت بكين أن التدريبات، التي تستمر أسبوعاً في بحر الصين الشرقي، تستهدف "تهديداً بحرياً محتملاً". وأوضح الرئيس الصيني الرسالة بوضوح عندما أعلن أنّ التدريبات تظهر "التصميم والإرادة القويين للصين وروسيا لمواجهة التهديدات والتحديات معاً لحماية الأمن والاستقرار الإقليميين"، فيما أكد بوتين أنه يأمل أن "يقوي الجيشان التعاون بينهما في ظل الوضع الجديد". نعم، الوضع الجديد يؤكده حجم المناورات ومدتها وأنواع الأسلحة وعدد القوات المشاركة، وقد أوردت التقارير الإعلامية وأكدت حجمها الهائل. وليس ذلك، فحسب، بل أكد الزعيمان قرارهما بتنظيم مناورات بحرية مشتركة أخرى العام المقبل، وذلك لمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ70 للانتصار على النازية.

ثالثاً، عالم متعدد الأقطاب: لابد من الانتباه إلى أنّ الشراكة الصينيةـ الروسية مهمة للطرفين معاً، ولاسيما الصين، لتشكيل تحالف سياسي عسكري اقتصادي يوازي ويضاهي ثقل الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة في الشرق الأقصى حيث يبدو واضحاً أن واشنطن تركّز جديد اهتمامها. وعليه فإن ما يحصل في شنغهاي هو تشكيل منظومة عالمية بديلة يؤكدها الرئيس الصيني عندما يعلن جهاراً أنّ «بناء شراكة استراتيجية يعتبر خياراً ضرورياً لتطوير عالم متعدد الأقطاب». وهذا الأمر، أكده بوتين أيضاً وإن بشكل غير مباشر، بقوله إنه "اتفق مع نظيره الصيني على زيادة التنسيق بين البلدين في مجال السياسة الخارجية.

"العالم المتعدد الأقطاب" يتطور ويتبلور من خلال موازين القوى الجديدة التي تحددها وتوفرها عناصر القوة؛ في المال والاقتصاد والثروات والأسواق والسياسة والعسكرة والتحالفات...الخ، والأهم من خلال بناء وانتهاج وممارسة السياسة الهادئة للدول ـ القوى ـ الفاعلة الجديدة. روسيا والصين ومعهما دول البريكس وإيران وخطّ المقاومة، ودول كثيرة أخرى، ألا يعني كل ذلك كسر هيمنة القطب الواحد الأمريكية؟ الحكمة الأبدية التي تقول؛ الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، تبقى صحيحة، وإنْ مع بعض التعديل لتصبح: الشمس تشرق على الشرق وتغرب عن الغرب!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.