تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عندما يهرع السوريون لشراء الموت؟!!


7/6/2014 

على جسر دمّر، الضاحية الغربية لدمشق، في طريقي إلى العمل، أقابل كل صباح رجلاً نحيلاً، متوسط العمر والطول. يحمل على ذراعه صندوقاً يضع فيه كل أنواع الدخان التي يطلبها المواطنون. يبيع الرجل ما يُوصف بأنه سُمٌّ قاتل.. ولكنّ الجميع يُقبل على الشراء؛ إذا لم يُبع هو الدخان، فسيجد الناس شخصاً غيره لشراء وقودهم اليومي من عقار الموت البطيء.. حتى شركات تصنيع وتعليب الدخان تكتب على علب السجائر إنه قاتل وفاتك.. ومع ذلك يستمرئ الناس الأمر ويُقبلون على شراء الدخان.

الموضة الجديدة في التدخين هي: النرجيلة، أو الأركيلة كما هو شائع. أضرار الأركيلة الصحية، كما تؤكد الدراسات ليست أقل من أضرار التدخين العادي المباشر والسلبي، بل ربمّا تفوقه. والأخطر أنّ الأركيلة تنتشر بين الشباب في مقتبل العمر، وبين النساء، الصبايا العازبات والمتزوجات؛ أي تمت إضافة عناصر بشرية جديدة للمدخنين.

المؤسسة العامة للتبغ أفادت أن كمية مبيعاتها من التبوغ، لغاية نيسان من العام الجاري، بلغت نحو 1626 طناً، وأنّ قيمتها نحو 6.112 مليار ليرة. وكانت المؤسسة العامة للتبغ أوضحت مؤخراً، أن الاستهلاك اليومي لمادة الدخان في سورية يقدر بنحو 50 طنا، وأن عدد المدخنين يتراوح بين 4.5 – 5 ملايين مدخن وذلك حسب آخر النشرات الإحصائية. ماذا عن عدد القراء والكتب المُشتراة والمكتبات الجديدة التي تم افتتاحها؟!!

إذن الضرر ليس صحياً فحسب، بل هو ضرر ماديّ أيضاً. فعندما ننفق في ربع العام أكثر من ستة مليارات ليرة سورية على شراء الدخان، يعني أننا ننفق أكثر من 24 مليار ليرة سورية في العام على الدخان، أي على شراء الموت والمرض؛ إنه إقبال مجنون ومخيف على شراء عقار الموت البطيء أليس كذلك؟! للعلم فإن هذا المبلغ يكفي ربما لإعادة إعمار مدينة حمص، مثلاً؟!

الأمر الآخر، وهو محزن بشكل أكبر، هو إطلاق النار في كلّ مناسبة؛ للتعبير عن الفرح أو الحزن. وأكثر ما كان يوجع القلب قبل أيام، أن إطلاق النار بمناسبة إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية السورية ـ رغم توجيه السيد رئيس الجمهورية بعدم القيام بذلك ـ أنه بسبب هذا الإطلاق سقط ضحايا من المواطنين، بسبب الرصاص الطائش في ذلك اليوم، أكثر مما سقط منهم بقذائف المسلحين وهاوناتهم. بالطبع، لم يعد أحد يتحدث ـ بعد سقوط الضحايا ــ عن الإزعاج أو تعطيل الطلبة الذين يحضرون لامتحاناتهم!! استطاعت الدولة الحدّ من قدرة المسلحين على الإيذاء عبر استنفار الجيش والشرطة وكل المعنيين بضبط الأمن وحماية المواطنين، فتكفّل المتخلفون بالقيام بالمهمة. أيضاً قُدّرت كلفة تلك الحماقات ـ عدا الضحايا البشرية ـ بأكثر من ملياري ليرة سورية؟؟!!

والحقيقة، فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه؛ هو ألا نَعرف ـ كشعب تمرّ بلاده بأزمة قاسية منذ قرابة أربع سنوات ـ طريقة أخرى للتعبير عن سعادتنا أو حزننا أو لتحقيق ذاتنا غير تلك الطرق المميتة؟!! ألا توجد طريقة حضارية للتعبير عن الذوق والفرح والحزن والحب والكره والذات غير الذي يحصل؟! ماذا لو وقفت النساء السوريات على أبوابهن وأطلقن "زغرودة" فرح عند إعلان نتائج الانتخابات بدل أن يطلق الأشاوس الرصاص؟؟ ماذا لو توجه مطلقو الرصاص إلى محلات الحلويات واشتروا بثمن الرصاص المهدور ـ كقيمة عسكرية ومادية ـ قطع الحلوى ووزعوها على عناصر الجيش العربي السوري المنتشرة في كل مكان لحمايتهم تقديراً واحتراماً لجهودهم، وهم الذين لم يناموا في تلك الليلة والليلة التي سبقتها؟!!

هل نتوقف قليلاً ونراجع سلوكنا وتصرفاتنا، ألم يحن الوقت لذلك ؟!!

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.