تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة في كلمة الرئيس بوتين: الحرب الباردة وغير الباردة قائمتان!!

مصدر الصورة
SNS


من الطبيعي أن يركّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته السنوية إلى الجمعية الاتحادية على عناصر القوة الروسية الذاتية، وأن يفخر بقوة بلاده، وأن يعتز بقدراتها وجيشها ووحدتها وسيادتها الحقيقية. لكن الرئيس الروسي أعلن بشكل لا لبث فيه أن الحرب قائمة مع الغرب بأشكال مختلفة؛

أولاً، عندما أكد أنّ عودة القرم إلى حضن روسيا هذا العام كان حدثا تاريخيا، وأنّ "القرم وسيفاستوبل" يتسمان "بأهمية حضارية ومقدسة كبرى.. وهذا سيكون موقفنا من الآن فصاعدا"، إذن الرئيس الروسي يعني أن أي حديث عن عودة الإقليم إلى السيادة الأوكرانية ضرباً من المستحيل وبالتالي فإن كلّ قصص الغرب ومحاولاته في هذا السياق هي واهمة وعبثية ودون جدوى. ويعني ثانياً أن كل العقوبات التي فرضها الغرب وقد يفرضها لاحقاً لن تغيّر الموقف الروسي مهما بلغت قسوتها وتأثيرها على الاقتصاد الروسي، ولكنها تكشف حقيقة النوايا الغربية، وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية؛

ثانياً، أوضح الرئيس الروسي أنّ العقوبات الغربية على روسيا في أعقاب انضمام القرم إليها، لم تكن رد فعل غربي، بل محاولة لردع روسيا على خلفية تنامي قدراتها. وزاد بأنه لو لم تكن القرم السبب لاخترع الغرب سبباً آخر لفرض العقوبات. أين الحديث عن العلاقات الدافئة مع القادة الأوروبيين أو مع الرئيس الأمريكي؛ انتهى كل ذلك. الأشياء تمت تسميتها بأسمائها الحقيقية دون تردد أو مواربة.

الأمر واضح؛ هي الحرب الغربية على روسيا ـ المستمرة في موقفها الدفاعي ـ التي تهدف إلى منع عودة الاتحاد الروسي لممارسة الدور القوي الممانع الذي كان يقوم به الاتحاد السوفيتي السابق أو ما يشابهه. لم تكن الحرب يوماً حرباً عسكرية فقط؛ هي إعلامية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية واجتماعية... الخ. هل نذكر قمة العشرين الأخيرة قبل ايام فقط، وكيف حاصر القادة الغربيون الرئيس الروسي في أستراليا؟! لابد وأن الرئيس بوتين يعتمر في صدره الكثير من سلوك نظرائه الغربيين وعدوانيتهم تجاهه. الرئيس بوتين قالها صراحة: "كان خطر تقسيم روسيا حسب السيناريو اليوغسلافي بكل ما يترتب عليه من عواقب مأسوية قائما، حيث كان هناك حراك انفصالي مدعوم من الخارج إعلاميا وسياسيا وماليا وعبر قنوات المخابرات".

قضية القرم حجة غربية للتدخل والإيذاء والتوسع الأطلسي نحو روسيا لمحاصرتها. ممنوع على روسيا من وجهة نظر الغرب تطوير قدراتها الذاتية الدفاعية والهجومية؛ ممنوع أن تستفيد من أسعار نفطها، ولذلك كانت حرب أسعار النفط. الأمثلة كثيرة، ولذلك إنْ لم تكن القرم، فهناك ألف سبب للغرب ليبرر عدوانه واستعماره. وهنا كان لا بدّ للرئيس الروسي من كشف حقيقة النفاق الغربي؛ فروسيا تساعد الاقتصاد الأوكراني وتدعمه، فيما الغرب يدعم بالكلام والوعود والتسويف والمماطلة، وشتان ما بين الاثنين.

ثالثاً، عرض الرئيس بوتين وجهاً أخر للحرب الغربية ـ الأمريكية على بلاده؛ التأثير على علاقات روسيا مع جيرانها إما بشكل مباشر أو من وراء الكواليس. وهذه الطريقة بالتعامل معروفة عن الغرب الاستعماري، ومعروف تدخله في العلاقات الدولية والشؤون الداخلية للدول الأخرى. ولعلّ التدخل الغربي أو الأمريكي في تغيير قرارات القمم العربية ليس خافياً على المواطن العربي. ولكن الرئيس الروسي اعتبر أنه رغم كل ذلك فإن روسيا ستنهض بدورها ولن تسير نحو الانعزال وكراهية الغرباء. بل أكثر من ذلك، فهي ستواصل البحث عن "أكبر عدد ممكن من الشركاء المتكافئين في الغرب والشرق على حد سواء". وهذا يقود إلى النقطة الرابعة:

رابعاً، أكد القيصر الروسي أن روسيا ستدافع عن التعددية في العالم وستنقل الحقيقة إلى الناس في الخارج؛ أي أنها ستواجه الهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية، وهنا بيت القصيد. فالولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة وهذا الخطر الروسي، ولذلك تقوم بعمليات استباقية لمواجهة التمدد الروسي الذي أشار إليه بوتين عندما شرح أنه يعني "تفعيل الاتصالات العملية والإنسانية والعلمية والتعليمية والثقافية، وذلك حتى في هذه الظروف حين تحاول فيها حكومات بعض الدول إقامة ما يشبه "ستارا حديديا جديدا" حول روسيا. ماذا يعني مصطلح ستار حديدي حول روسيا غير الحصار والحرب التي نرى بعض جوانبها قائمة الان؛ أليست خسارة أمثر من /150/ مليار دولار بسبب اللعب بأسعار النفط حرباً؟!!

وفي إطار الحديث عن هيمنة الأحادية القطبية، اعتبر الرئيس بوتين أن منظومة الدرع الصاروخية التي تقيمها الولايات المتحدة في أوروبا تهدد أمن العالم كله، لأنها قد تخلّ بالتوازن الاستراتيجي. وتهدد الولايات المتحدة لأنها تخلق وهما خطيراً لدى واشنطن بأنها في أمان مطلق، ويدفع بها نحو قرارات أحادية الجانب وغير مدروسة. وفي هذا السياق، ردّ الرئيس الورسي موضحاً أن بلاده لن تنجر إلى سباق تسلح غالي الثمن، مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة، لكنها ستكون قادرة على ضمان أمنها في ظل الظروف الجديدة والأوضاع الناتجة عن الممارسات الغربية.

وربما هي الصدفة المحضة أنَّ كشف وإعلان هذه النزعة الاستقلالية السيادية لدى الرئيس الروسي تزامنت مع حديث صديقه وحليفه في مواجهة الغرب الاستعماري، الرئيس بشار الأسد الذي أكد في كلام مشابه لمجلة باري ماتش الفرنسية "أننا نحن السوريين لن نقبل بأن تكون سورية دولة دمية للغرب وهذا بكل وضوح أحد أهم أهدافنا ومبادئنا".

هل يجوز الحديث عن لا حرب أو عن حرب باردة بعد كلّ هذا..؟!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.