تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

شوقي بغدادي: لم أكن شيوعياً في حياتي ومفهوم الجماعة لم يعد يستهويني!

مصدر الصورة
SNS - بلدنا

 

محطة أخبار سورية

شوقي بغدادي (1928) المولود في بانياس عند تخوم الساحل السوري، والذي هبط منها ليحط رحاله في دمشق منذ منتصف القرن الماضي، بحجة دراسة اللغة العربية في جامعتها، لكنه ما لبث أن برز كواحد من شعرائها وكتابها البارزين وأحد محاربي ما يسمى - جيل الستينات- والذي خاض شتى صنوف القتال بسيوف القلم والسياسة والفكر طوال أكثر من خمسين عاماً، حتى- تكسّرت النصالُ على النصال  ليجد نفسه وحيداً- متقاعداً - كما يحلو له أن يقول، يؤنس ُعزلته بالقراءة والتأمل، ناشداً فسحة تليق بمحارب عريق أنهكته الحروب والهزائم بكل صنوفها...

«أنا الآن متقاعد في بيتي..أقرأ وأتأمل، لم يبق لي إلا هذا بعد كل هذه الحروب، لقد اكتشفت أنني كنت ُمحارباً - دونكشوتياً- لكنني لا أشعر بالراحة الحقيقية، لأن كثافة الهزائم التي لحقت بي في حياتي: شخصياً ووطنياً وإنسانياً، تجعلني أشعر بالتعب والإنهاك..حتى وأنا أتقاعد للراحة. لكن، في ذات الوقت، إنّ ما يعزّيني بعد هذه الحرب الطويلة، أنني اكتشفتُ أيضاً أن متعة الحياة الحقيقية ليست في النصر وحده، بل تكمن في شعورك بأنك بذلت كل طاقتك وحاربت بكل إخلاص في معركة لم تحسب أنها رابحة، ولهذا فإن هزيمتك هي هزيمة الإنسان الأول، الذي لايزالُ يحاربُ وهو يظن أنه واصل ذات يوم

 وحين تسأل هذا المحارب العتيد كيف  تورط في هذه الحرب الشبيهة بـ «حرب البسوس»، وكيف أدركته لوثة الكتابة، يعود دون تردد إلى أدراج طفولته التي قضاها متنقلاً بين المدن بسبب ما يقتضيه عمل أبيه الموظف.. «في طفولتي كنت ُ أقرأ كثيراً، وكنت أروي الحكايات لإخوتي، تلك الحكايات التي اعتدت أن أخترعها وأفبركها من خيالي..وشيئاًً فشيئا أصبحت رغبتي في فهم الحياة وتوضيحها للآخرين هي ما يدفعني إلى الكتابة

وهكذا استوطنته - لوثة الكتابة- مبكراً لتثمر واحداً وعشرين كتاباً، تتوزع بين الشعر والقصة القصيرة، ورواية يتيمة يعتبرها عملاً فاشلاً بامتياز، على نقيض مجموعاته الشعرية العشر التي كان أولها (أكثر من قلب واحد1955) وأربع مجموعات قصصية، كان أولها (مهنة اسمها الحلم-1986 )، هذا إضافة إلى مجموعتين شعريتين للأطفال، وفي كل أعماله كان كمن يُجرّب أدواته ويتنقل بين شطوط الكلام شعراً ونثراًً وكأنه يحاول ُ أن يقولَ إن لكل موضوع لغته الخاصة،على الرغم من إصراره- الآن- على أن كل الموضوعات تصلح للشعر..حتى التدخين!..»إن من يقول بأن هناك موضوعات شعرية وأخرى غير شعرية واهم، ويعبر موقفه هذا عن قصور في الموهبة وفقر في الإبداع. إن كل الموضوعات تصلح لأن تكون مادة شعرية؛ من المرأة والحب و شؤون السياسة.. وصولاً إلى مضار التدخين!». وفي أعماله الشعرية والنثرية كان يبدو دائماً ينطقُ بصوت الآخر، وكان أن صنفه بعضهم (نقاداً وقرّاءً) في البداية بالأديب الاشتراكي، الذي يكتب عن هموم الجماعة، وينأى عن همومه وعوالمه الداخلية والشخصية وظل الرأي السائد كذلك إلى أن أصدر مجموعته الشعرية التي حملت عنوان «شيء من الذات»، فقامت الدنيا ولم تقعد، وثارت ثائرة نقاد الأيديولوجيا ضده..حين يتذكرُ تلك المرحلة يعلّقُ بالقول: «تعودتُ في مراحل عمري أن أهتم بهموم الآخرين أكثر من اهتمامي بنفسي، وأن أكتب عنهم وعن شؤونهم أكثر مما أكتب عن شؤوني الشخصية، لكنني شيئاً فشيئاً، اكتشفت أن اكتشاف الآخرين يبدأ من اكتشاف الذات؛ ولهذا كان عنوان كتابي (شيء من الذات) الذي عالج موضوعات شخصية محضة». إذاً خذلته - الجماعة- وشعاراتها التي انساق إليها طويلا ً ليكتشف أخيراً أن خلاصه بالمعنى الأخلاقي والفلسفي هو عملية فردية بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي يعلنه صراحة رافضاً بشدة - التهمة- التي لازمته فترة طويلة من حياته على أنه شيوعي في سلوكه وكتاباته وأحد رواد «الواقعية الاشتراكية» التي ازدهرت لفترة، ثم خبت جمارها، ويبدو أن سؤالي أثاره بشدة، ليكون رده قوياً وحازماً: «لم أكن شيوعياًً في حياتي! إنها تهمة أُلصقت بي وبغيري. أنا كنت صديقاً للشيوعيين، ولم أكن حزبياً أبداً، وأنا الآن غير ميّال  إلى أي تجمع بشري  يقود إلىٍ التعصب، إذ غالباً ما يوحي التجمع بالغرور والثقة بالجماعة، خاصة إذا كانت كثيرة العدد..فأنت تعتقد أنك على حق، لأن الأكثرية معك والمظلومين معك والفقراء معك..ثم تكتشفُ أن هذا التجمع قاد كل هؤلاء إلى نوع من التعصب، وأن خلاصك الفردي غير ممكن إلا بجهودك الفردية، ربما يجب أن تكون لك جماعة، لكن دون أن تذوب فيها..هذا ما خلصتُ إليه بعد هذا العمر وأنا الآن ليست لدي طموحات معينة، بل أعيش حالة من الرغبة في المصالحة مع نفسي وألا أرتكب حماقات وأخطاء من جديد    

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.