تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رولا ركبي: المواطنة الكاملة متمسّكة بالحلم الديموقراطي

مصدر الصورة
الاخبار اللبنانية

  




http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/250img/p32_20120222_pic1.jpgابنة فيصل ركبي أحد مؤسسي «حزب البعث» القدماء، رافقت سمير قصير في الجامعة، وتفتقد اليوم صديقها عمر أميرلاي. النسويّة السوريّة واحدة من أبرز المنخرطات في الحراك الثقافي والمدني في دمشق، تتوق اليوم إلى مجتمع حرّ يتّسع لكل الأطياف

منذ تسلّمها إدارة فندق «الفردوس تاور» في دمشق، تحوّل هذا المكان إلى ملتقى للمثقّفين، وراعٍ دائم لمعظم الفعاليات الثقافية المستقلّة في المدينة. المقهى الزجاجي المطلّ على الشارع استقطب أبرز المثقفين الشباب في سجالات صاخبة، تدور حول ما يجري في سوريا اليوم. بين هؤلاء ستجد رولا ركبي، بسيجار ضخم، وابتسامة دائمة، تنصت إلى تطلعات جيل وجد نفسه في مهبّ ريح عاتية، فانخرط في الشأن العام بكامل حيويته وحماسته. حين اقترحنا عليها أن تكون ضيفة «الأخبار» بوغتت بالفكرة، فهي حسب قولها، ليس لديها ما تقوله، أو أنّها ليست في موقع من يروي سيرته للآخرين. فنجان «اسبريسو» يفتح شهيتها على اكتشاف ذاتها. هكذا ندخل حياتها بشذرات متقطّعة، على غرار ما فعلته صديقتها السينمائية هالة العبدالله في شريطها التسجيلي «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها».

كانت رولا واحدة من بين نساء سوريات تحدثنّ في الشريط عن تجاربهنّ، وانكسارات أحلامهنّ ومغامراتهنّ في مواجهة مصاعب ومحن قادت بعضهنّ إلى المعتقلات بسبب انتمائهن إلى تيارات سياسية معارضة. تقول «لم أدخل المعتقل يوماً، لكنني كنت على الدوام على ضفاف الحراك المدني في البلاد».
تعيد اهتمامها بالشأن العام إلى والدها فيصل ركبي، أحد مؤسسي «حزب البعث» الأوائل، قبل أن يطيحه الرفاق ويفقد طهرانيته. «طوال حياته السياسية، كان والدي إما مطارداً أو معتقلاً». في هذا المناخ، نشأت رولا ركبي، غارقة بين رفوف مكتبة الأب في مدينة حماة، أو بصحبة عمتها مفيدة ركبي، أوّل من أسس جمعية نسائية سورية لمكافحة الأميّة في الخمسينيات من القرن المنصرم. «كنت أرافقها في جولاتها على القرى، وأساعدها على التعليم رغم أنني لم أكن أتجاوز العاشرة من العمر».
للأب حكاية أخرى ستترك بصماتها على ابنته لجهة أفكاره العلمانية والعروبية. الأب الذي كان يستعدّ للذهاب في بعثة لإكمال تخصصه في الطبّ، ابتاع أدوية بأموال البعثة، وتطوّع في جيش الإنقاذ في فلسطين. وسوف تتذكّر عبارة قالها لها والدها، غيّرت مسار حياتها المهنيّة. «كنت أود أن أدرس الصحافة، وحين أبلغت والدي رغبتي هذه، أجابني بهدوء: الصحافة تحتاج إلى حريّة. وفي هذه البلاد، ستكونين مجرد موظفة في أجهزة النظام».
هكذا اتجهت إلى دراسة الأدب الفرنسي في «جامعة دمشق»، ثم توجهت إلى باريس لدراسة التاريخ في جامعة «السوربون». تبرر هذا الخيار بأنها كانت ترغب في أن توثّق تاريخ حماة «المدينة التي تعرّضت لمجزرة في الثمانينيات، وعلى نحو أدق، كنت أفكّر في تأريخ مرحلة أكرم الحوراني ورفاقه الاشتراكيين، تلك التجربة الفريدة في الحياة السورية، التي أُجهضت لاحقاً تحت وطأة نفير طبول الانقلابات العسكرية». في الجامعة، تعرّفت إلى الراحل سمير قصير، وفي باريس التقت عمر أميرلاي «إحدى أروع المصادفات في حياتي، فقد ترك أثراً لا يمحى في شخصيتي، وهو أكثر مَن افتقده اليوم وسط ما نعيشه». أمضت سنتين في عاصمة الأنوار، ثمّ قررت العودة إلى دمشق. تقول مبررةً سبب عودتها «لا أستطيع العيش خارج دمشق، إضافة إلى أوهامي بالتغيير، قبل أن أكتشف صعوبة تحقيق مثل هذا الحلم، فأنا مجرّد متفرجة على ألعاب كبيرة».
في أوائل التسعينيات، بدأت حياتها العملية في قسم العلاقات العامة في فندق «الفردوس تاور»، فتعرّفت إلى شخصيات كثيرة في مكان تتبدّل فيه الوجوه يومياً، فتبلورت شخصيتها على مراحل عدة. «لم يكن لدي توجهات نسوية بسبب قناعتي حينذاك بأنّ المرأة والرجل مقموعان معاً. الآن، أرى أن قضية المرأة تحتاج إلى عمل جدّي من أجل تغيير منظومات راسخة بفعل مجتمع ذكوري صارم، لم أعايشه عن كثب قبلاً»، تقول. الناشطة في قضايا المجتمع المدني، لا ترى خسارة في عدم انخراطها في حزب ما بسبب قناعتها بقدرة الأفراد على تحقيق تحوّلات في المحيط الذي يعملون فيه. نجد توقيعها في بيانات كثيرة تتعلق بأوضاع النساء السوريات، أو بحرية التعبير، أو ضد العنف والقمع. «هدفي هو كسر مأزق القمع، ورغبتي العيش في مجتمع حرّ، مهما كانت العقبات». وتضيف بحماسة مستفيضةً في توصيف ما تعيشه سوريا اليوم: «أحسست بأنني كائن آخر، فقد تغيّرت أولوياتي، وتعرّفت إلى أصدقاء جدد. الانتفاضة السورية غيّرت مفاهيم كثيرة في حياتي. لم يخطر في بالي يوماً أن أسافر إلى مدينتي حماة، وأشارك في تظاهرة... للمرة الأولى، أشعر بمواطنتي الكاملة، وبأن الوطن صار شأناً عاماً في مدينة نهضت من أنقاض مجزرة. وها هي تهتف مرةً أخرى من أجل الحريّة».
لا تجد رولا ركبي مشكلة في مشاركتها في تظاهرة تخرج من الجامع. تقول مدافعةً: «أنا علمانية، ولم أتصوّر يوماً أن أخرج بتظاهرة من الجامع، لكن أين الأمكنة الأخرى، هل أخرج بتظاهرة من الكاباريه؟». قبل ذلك، كانت قد أطلقت في الفندق أوّل نادٍ للجاز في دمشق، إضافةً إلى «بيت القصيد»، وهو تجمّع يديره الشاعر لقمان ديركي في إحدى حانات الفندق، ويحتضن قراءات شعرية أسبوعية. أمّا «سهرة الأربعاء»، فهو لقاء شهري يستضيف كتّاباً ومثقفين وفنانين في محاور فكرية وإبداعية، لا ينقصها السجال.
اليوم توقفت هذه الفعاليات تحت ضغط الظرف الراهن الذي تعيشه البلاد. تكتفي رولا بالقراءة. «الكتاب هو ملجئي الوحيد طوال حياتي، إذ لطالما أنقذتني المكتبة الضخمة لوالدي من الضجر». نسألها: ألم تفكر يوماً في الكتابة؟ تجيب ضاحكةً: «منذ زمن بعيد، كتبت قصصاً قصيرة، ونشرت بعضاً منها، لكن حادثة صغيرة أوقفتني عند هذا الحدّ وأفقدتني ثقتي بجودة ما أكتبه». وتروي تلك الحادثة قائلة «كان أحد شعراء البعث صديقاً لوالدي، وقد أثنى مرّة على قصة كتبتها. إعجابه الشديد، أكد لي من دون شك ضحالة ما أكتب، فأن يُعجب بموهبتي شاعر لا يجيد سوى الهتاف والمديح، فهذا دليل أكيد على أن بوصلتي تشير إلى الجهة الخاطئة، وهذا ما جعلني أتوقف عن الكتابة بلا ندم»، وتستدرك «أهم إنجاز حققته في حياتي هو ابنتي جود، التي تعمل مصوّرة سينمائية». تشرد قليلاً ثم تقول: «أحلم بأن تتكشّف المحنة التي نعيش عن سوريا ديموقراطية تتسع لكل الأطياف تحت راية الحريّة. لا يعقل أن أبلغ الخمسين من عمري تحت راية نظام واحد».

 

                                                                                                                                     خليل صويلح


5 تواريخ

1957
الولادة في مدينة حماة
(سوريا)

1989
دراسة التاريخ في جامعة «السوربون» (باريس)

1991
العمل في فندق «الفردوس تاور»
في دمشق

2005
أطلّت في الشريط التسجيلي
«أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها»
مع المخرجة هالة العبدالله

2012
المشاركة في حراك المجتمع المدني
في سوريا

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.