تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عادل محمود.. الثالث بقراره

محطة أخبار سورية
 واحد من 5000 تحتاج إليهم سورية لتكون رائدة الحضارات  
«لقد ترك أجدادنا الساعة الرملية، ونحن تركنا الساعات السويسرية، وذهبنا جميعاً إلى دواخلنا».. عادل محمود (1946) شاعر وكاتب، في شعره الأبيض وهدوئه الواثق، يعتزل بعيداً عن دمشق في قريته النائية، ليخلط هناك معادلات مفرداته الكيميائية، ويمزج المشاعر بألم التماهي مع الطبيعة الأم. حياته خطوات واثقة بين الحروب والمنافي. صحفي بالمصادفة، روائي بالفطرة. 
استقى مخزونه الانفعالي من حروب عديدة مرَّت، كان على مقربة منها، يراقب ويسجِّل في ذاكرته تعابير الوجوه، ويرسم مشاعر الكلمات. مبدع (إلى الأبد و.... يوم). تنقّل بين حضارات حديثة وتقليدية وعربية، فمن قبرص إلى يوغوسلافيا إلى تونس. صقل الأرضية التي بناها في بلده، وانطلق يبني ويهدم، ويعيد البناء أحرفاً وكلمات بين أسطرها مواقف وتورية.
 عمله الصحفي  في شبابه، أغنى جذور هواه بخبرات الأنماط السورية، بجميع أطيافها، وتشبّع مخزونه البصري من طبيعة بلدته عين البوم في صلنفة، حيث البرد الذي سكنه ولماّ يفارقه.
 تنقّل بين الصحف والصفحات، كما تنقَّل بين البلدان والثقافات «من لم يسافر لايمكن أن يقيّم الوطن».. عمل في الطليعة وجيش الشعب، وفي صحيفة البعث وُظّف في الأرشيف. بعد منع مجموعته القصصية من التداول سافر إلى قبرص، حيث بدأ العمل في ما أحبَّ، بعيداً عن كلِّ ما يراقب فكرته قبل تبلورها، وقلمه قبل سفره على الورق.
وهناك، في قبرص، عمل في جريدة «النشرة»، ثم في مجلة «البلاد» باهتماماتها الفلسطينية، وهنا «تعرَّفت إلى الكثير من ثوابت القضية الفلسطينية، وعلى منابرها، وهذا ما جعلني أفهمها بطريقة مختلفة تماماً عن الجميع.. عشت فلسطين كما عاشها أهلها»، حتى أصبح لاجئاً فلسطينياً لايقلّ عن الفلسطينيين انتماء إليها.. «تعرَّفت أكثر إلى محمود درويش، ونشأت بيننا صداقة حميمة». 
بعد أوسلو، تبخّرت أحلام الفلسطينيين في الخارج، فعاد إلى سورية عام (1994)، وأصدر ديوانه «استعارة مكان». اختفى عادل محمود شهراً كاملاً، لينكبَّ على كتابة روايته «إلى الأبد... ويوم»، والتي لم تكن رواية بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هي جردة حساب لماضٍ مثقلٍ بالذكريات.  صاحب رواية «مسودات عن العالم» « يعترف بأنّ «حب الرواية قد سبى مني اللب والعقل، وأضاف إلى فوضى حياتي فوضى أكثر حياتية»، ثم ما يلبث أن يبرِّر هذه الفوضوية: «أعتقد أنَّ الفوضى تنتج رتابة لدى من يحبها ولاأنتمي إلى دوامة العلاقات الاجتماعية وتبادل الزيارات». لاطقوس للكتابة عنده، إلا أنه يتأنَّق عند كلّ كتابة، فالرواية ضيف يُرسم على الورق.
 المثقف السوري في نظره طيرٌ مقصوص الجناح، بسبب الرقابات التي قصمت ظهر المستقبل وقتلت الأقحوان بالزجاج، وأسهمت في الأزمة الحالية: «عندما يراقب المثقف ما يقول، تختفي الحقائق، وتصل الصورة منقوصة، فيضيع الجيل، وتفنى الحضارة الثقافية.. وخاصةً إذا كان عدد ما يحظر من الكتب أكبر بكثير من عدد الكتب المطروحة».
لا ينظر إلى نفسه على أنه الشخص الأول في الأزمة، ولاالشخص الثاني: «لقد اخترت لنفسي موقع الشخص الثالث الذي يهمُّه التعليق، لاالتورط في إصلاح أو تخريب».. 
في متن روايته «إلى الأبد و... يوم»، ينبش وقائع سيرة شخص محكوم بالأسى في بلاد لم يبقَ فيها شيء سوى القبور والسجون والخيبات.. ويكتب: «تظاهُرنا بالنسيان وانعدام الوزن، سيبقي لدينا ما يكفي لإشعال النار حين تهبُّ رياح الذاكرة».. حصدت تلك الرواية جائزة دبي الثقافية للإبداع 2007، لكنها بالنسبة إليه: «كانت معنوية أكثر منها مادية». يغيب عادل محمود عن الحاضر، ليبني ثقافة المستقبل ويبلور روح تقييمه الوضع المستقبلي وإصلاح ما تخرّب: «تحتاج سورية إلى 5000 مثقف فقط بحرية كاملة، لتكون رائدة الحضارات وحاضنة الجميع.. لاأدري كيف تسلّل الشقاق بين السوريين». ليست المؤامرة على أيِّ حال
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.