تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سمير طحان.. كاسح الألغام و«الحكواتي الحلبي» الأصيل

مصدر الصورة
SNS - بلدنا

محطة أخبار سورية

هو باحث وأديب وشاعر لا يملّ الكلام الجميل. يعتبر نفسه محظوظاً لأبعد المقاييس، كيف لا، وهو صاحب «العين الثالثة»، لم يستطع اللغم الذي سرق منه بصره ويديه أن يوقف نبع الإبداع الذي تفجَّر فيه منذ الصغر، كما لم تتمكّن الظروف القاسية التي عايشها، في مرحلة ما بعد الحادث،

أن تخفي تلك الابتسامة الجميلة التي يرسمها بين الحين والآخر، وهو يروي فصول حياته الشيّقة التي تشبع فيها من مختلف أنواع وأشكال الثقافة؛ الشعبية منها والعربية وحتى الأوروبية، فكان بحقّ «الحكواتي الحلبي»؛ بل «الحكواتي السوري»...

ولد سمير طحان في مدينة البصيرة عند مصبّ الخابور، وقد مكّنه عمل والده في الجمارك من التنقّل في الكثير من المدن السورية، حيث استقى منها ثقافته الشعبية من خلال احتكاكه بمختلف شرائح المجتمع السوري، استقرّ في مدينة حلب مع عائلته في منطقة الحميدية ذات الطابع الشعبي، ويعتبر نفسه محظوظاً لما عايشه في تلك الحارة التي منحته ثقافة شعبية غنيّة من خلال جدّه وجدّته ووالدته الأميين، وثقافة أدبية وعلمية من خلال والده وأعمامه وعمّاته وأخواله، إضافة إلى «الكتبية» التي احتوت على القرآن، والإنجيل، والتوراة، ومختلف القواميس، والكتب الأدبية العربية والغربية...

وفي سنّ مبكرة، بدأ سمير كتابة ما يقتنصه من هذا المحيط، ويسجله على دفاتر كان يخصّص كلّ واحد منها لما يتلقّاه من هذا الشخص أو ذاك، وفي حارته القديمة كان مع أصدقائه يقيمون جلسات مطالعة، ليتطوّر الأمر إلى تأسيس نادٍ ثقافي، وهو لم يتجاوز الثامنة، يقول طحان: «بعد أن أسجل العبارات التي تعجبني من حديث جدتي، أو والدتي، أو جارتنا مارين القصيرة، كنت أصوغها على شكل سيناريوهات بسيطة لتمثيليات نجسدها في النادي الثقافي خاصتنا، ومؤخراً نشرت منها في كتابي «ظواهر وجد بن وجدان»، كما كنا نقوم بقصّ بعض القصص المصورة من مجلات قديمة ونلصقها على أسطوانة، ونضعها ضمن مربع لصنع ما يشبه صندوق الدنيا...».

درس الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية في معهد الأرض المقدسة في حلب، وعنها يتذكّر طحان: «كانت مدرستي تعتبر جامعة بكلّ معنى الكلمة، فكان فيها غير الدراسة والتعليم الكثير من الأنشطة الأخرى، كالموسيقا، والأوبرا، والمسرح، والأعمال اليدوية، من خلال الكشاف التابع لها؛ أي أنّ الطفل منّا لم يكن ينقصه شيء من أصناف المعرفة حتى إن ذلك أثّر فيَّ كثيراً إلى درجة إدخال الأمور العلمية في إنتاجي الأدبي من علم الضوء إلى علم الصوت وعلم الجيولوجيا والنبات والحيوان...».

دخل جامعة دمشق ليدرس الأدب الفرنسي، لكنّه لم يكمل؛ بل فضل الذهاب إلى لبنان ليزيد من وعيه الثقافي وتجاربه، فسنحت له فرصة التعرّف إلى الكثير من الشخصيات السورية واللبنانية العملاقة هناك؛ أمثال عاصي الرحباني، والأخطل الصغير، وغادة السمان، ويوسف الخال، الذي اطلع على الكثير من أعماله منذ أمسك القلم للمرة الأولى عندما كان صغيراً...

عندما قرّر سمير طحان العودة إلى سورية ليؤدي خدمة العلم، فرز إلى إحدى الفرق التي تُعنى بفكّ وتركيب الألغام، أو ما يعرف بالهندسة لتقع تلك الحادثة التي غيّرت مجرى حياته بالكامل، فيقول: «أتتنا الأوامر بزراعة ألغام على خط الجبهة بسبب التجاوزات التي كان يقوم بها العدو الصهيوني في بعض الأحيان وبينما كنت أهمّ بزراعة أحد الألغام، إلى جانب زملائي الـ 18، بدا واضحاً أنّ اللغم الذي بحوزتي عاطل، وسينفجر لا محالة، فاخترت أن أرمي جسدي على اللغم تخفيفاً لأثره على سريتي وزملائي، وكانت النتيجة فقداني بصري ويديّ...».

أوفد سمير إلى إسبانيا للعلاج، لكنّه لم يجعل من زيارته هذه إلا مرحلة تضيف إلى ثقافته وخبراته أموراً جديدة، فدخلت الإسبانية أيضاً ضمن بعض مؤلفاته، ويعترف بأنّ الحياة في ذلك المجتمع الأوروبي، والاهتمام المجتمعي بالمكفوفين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، نشّط من حيويته وحبّه للحياة، ما أعاده إلى أرض الوطن بنفسيّة قوية صلبة عازمة على مواصلة الحياة والإبداع فيها، إلا أنّ الحادث الحقيقي الذي أثر فيه كان انفصاله عن زوجته وما تبعه من خسارة، فيقول: «مرحلة انفصالي كانت بمثابة انفجار لغم جديد بي، إلا أنه بشري هذه المرة، فقد أدّت الخلافات التي نشبت بيني وبين زوجتي إلى قيامها بإخراجي من المنزل بثيابي، وصبّت جامَ غضبها وانتقامها على ما كان لديّ من كتب ومشاريع أعمال خلال فترة لا تقلّ عن 32 عاماً من العمل، وأحرقتها جميعاً، ولم ينجُ سوى القليل، ولم تسمح بالإفراج عنها..»

لسمير طحان أكثر من 17 كتاباً مطبوعاً، أبرزها: (الحكواتي السوري، الحكواتي الحلبي، مجمع العمرين، العين الثالثة الجنك، بمساعدة شقيقه المرحوم مروان المرافق المخلص له خلال فترات ما بعد الحادث، فيما يتحضّر لنشر عدد من الكتب الأخرى، كما كان له العديد من المشاركات الشعرية المغنّاة، سواء من خلال العديد من أعمال الفنانة ميادة بسيليس، أو من خلال شارات عدد من الأعمال الدرامية، أمثال: أيام الغضب، إخوة التراب، هوى بحري، نساء صغيرات، أبناء القهر، ومسلسلات أخرى...

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.