ما أكثر النساء في الشعر منذ ذي الرّمة وحتى بابلو نيرودا وبعده كثير من الشعراء، كأن القصائد بيوت النساء، وكأن الشعراء معماريون يشيّدون باللغة قصوراً وقلاعاً، أو كأن الشاعر معماري اللغة يقيم للمرأة بيتاً من الكلمات. هكذا كان يفعل نزار قباني الذي كان يكتب على ضوء قنديل أخضر. شاعر المرأة نزار لكثرة ما كتب لمئات النساء لم تحتفظ واحدة منهن باسمها الحقيقي أو المستعار في كل أشعاره المكتوبة بأرستقراطية رجل دمشقي يعرف من أين تأتي رائحة الياسمين التي تتقدّمها رائحة امرأة.
ارتبط اسم الشاعر الفرنسي لويس أراغون باسم "إلزا".. كتب من أجلها أشعاراً تفيض بالماء والحنان، وبرغم أن بعض النقاد يلصق به وصف "شاعر مقاومة" إلاّ أن "إلزا" تقيم في قلبه، والمقاومة تقيم في عقله، والإقامة في قلب أجمل من الإقامة في عقل أو أن إحداهما تكمّل الأخرى، وأقرأ حياة الشاعر الإسباني "أنطونيو ماتشادو" فأعثر في لفافات شعره على امرأة اسمها "ليونور" . ماتت "ليونور" سريعاً بعد زواج سريع، لكنها بقيت خالدة في شعر ماتشادو الأندلسي الغنائي الذي أعطاها اسماً آخر وهو "جيومار"، وسواء هي "ليونور" أو هي "جيومار".. كتب لها.." .. لم أعرف إن كان الذي تحملين في يدك ليمونة صفراء، أم خيط نهار يا "جيومار" في خيوط الذهب، رأيت شفتيك تبتسمان لي . ماذا تعطيني؟ سألتها.. الزمن في فاكهة تقطفها يدك من نضرة البستان = ترجمة د . محمد قصيبات..".
الشاعر التشيلي بابلو نيرودا ارتبط اسمه باسم "ماتيلدا" كتب لها مئة قصيدة حب، وهو الآخر شاعر مقاومة، لكنه في الوقت نفسه شاعر حب.
نساء الشعراء كأنهن شقيقات متشابهات أو كأنهن توائم ذلك أن شعر الحب أيضاً متشابه .
يكتب الشاعر عبدالوهاب البياتي عن "عائشة" فيرجع إليك صدى ماتيلدا أو إلزا أو ليونور، ويكتب الشاعر رزق أبو زينة عن "جميلة" فترى في مراياها وجه "عائشة"، ويكتب الشاعر أحمد المصلح عن "فاطمة"، فيعود إليك صوت "عائشة"، كأنك أمام متواليات نسائية لا تنتهي . . فالحب لا ينتهي.
ما أكثر النساء في الشعر، هذا هو وطنهن الأخضر، وطن من الكلمات، لكنه دولة الحب.
"جَلَست تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن
فالحب عليك هو المكتوب"
شكراً.. نزار قباني
بقلم: يوسف أبو لوز
