تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ابولودور الدمشقي

مصدر الصورة
كتاب دراسات في حضارة المشرق العربي القديم -قناة تلاقي


لا نعتقد أنه يمكننا العبور في العصر الروماني لجهة العمارة والعمران، دون أن نعرّج على مبدع مشرقي دمشقي عبّر بمنجزه العمراني والمعماري عن خصائص العمارة المشرقية وروحيتها، وهو أبولودور الدمشقي.
وبداءة، يتحدث تاريخ كمبردج عن أن سورية كانت متقدمة على روما في مجال العمارة، لا بل كانت بالنسبة لها النموذج الذي احتذته، ويتابع المرجع المذكور فيضيف: لقد تفوقت سورية على روما بعبقريتها المبدعة وفي معارفها التقنية وفي مهارة عمالها.
أما أبولودور الدمشقي (60 ـــ 125)م، فقد كان قريباً من الإمبراطور الروماني تراجان، وقد أوكلت له مهمات عمرانية وإنشائية وفنية، قدم من خلالها جلّ عبقريته المجتمعية والفردية.
فقد أنشأ الميدان التراجاني في روما، ويعتقد العالم بيانكي بانديللي في كتابه «أبولودور الدمشقي» أن الفكرة المعمارية لهذا الميدان، ولاسيما لجهة ساحته مستمدة مما كان حول معبد جوبيتير في دمشق ويؤكد على أن هذه الفكرة المعمارية هي فكرة شرقية أكثر مما هي رومانية.
وثمة منجز لأبولودور أخذ بعداً إنسانياً تمثّل في العمود التراجاني الذي حوى تحت قاعه قبر الإمبراطور تراجان، حيث شيّد العمود بارتفاع 33 متراً، يلتفّ حول جذعه شريط حلزوني منحوت وملون سشمل تسجيلاً فنياً لمنجزات الإمبراطور وفي داخل العمود درج دوار.
ويتفق الباحثون على أن أسلوب هذا العمود فنياً، يحاكي أسلوب المنحوتات الآشورية المشرقية. وقد أثرّ هذا العمل لأزمان لاحقة في التصاميم التذكارية في عدة بلدان أوروبية، ويؤكد د. عدنان البني أن هذا العمود أثر تأثيراً عميقاً على العمارة حتى العصر الحديث، ففي عام 408 م بني عمود مماثل في عهد الإمبراطور أركاديوس في مدينة القسطنطينية.
وفي ألمانيا عام 1022 م، شيد عمود من البرونز يحاكي عمود تراجان وذلك في كاتدرائية هيلدسهايم في مدينة هانوفر.
وعام 1806 ـــ 1810 م انشئ في فرنسا عمود الفاندوم تخليداً لحروب نابوليون، وكان ثمة تشابه كبير بين نقوشه البارزة ونقوش عمود أبولودور.
يقول جيروم كاركوبينو في كتابه «الحياة اليومية في روما في أوج الإمبراطورية»:
إن ميدان تراجان وسوقه هما قمة من قمم الفن، يتلاقى فيها خيرة بنائي أفضل العصور ويسمون إليها تلامذة متحمسين أو مقلدّين، مثل ميكيل أنجيلو، الذي ينقل شيئاً من هذا التنسيق المتقشف والقوي إلى واجهة قصر فارنيزة، ومعماريو نابوليون الذين يذوّبون مدافع أوسترلينز ليضعوا عمود فاندوم.
أيضاً لابد أن نشير إلى ابداع تدمري، تجلى في التاج الكورنثي التدمري والذي شاع في العالم آنذاك انطلاقاً من ابتكاره الأول في تدمر، عبر إنشاءه في معبد بل.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.