تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأرابيسك.. فن زخرفي يعكس أصالة الشرق

كثيرون منا شاهدوا الزخارف البديعة التي تزين جدران قاعة مجلس الشعب التي يعقد فيها اجتماعاته عبر شاشة التلفاز لكن البعض فقط يعرف أن هذا الفن الجميل هو الخيط العربي (الأرابيسك) الذي استطاع عدد من الفنانين الحرفيين السوريين المهرة أن ينتقلوا به إلى العالمية عبر إبداعاتهم.

ومن هؤلاء المبدعين (محمد علي الخياط) المشهور بأبي سليمان الخياط الذي صمم ونفذ قاعة مجلس الشعب خلال الأعوام من 1947 حتى 1955 وقصر بيت الدين في لبنان وغيره، بل إن أعماله وصلت إلى ألمانيا ولا يزال مشغله الذي تعمل به أسرته قائماً في دمشق حتى اليوم.
 
لكن عدد المشتغلين في هذا الفن الأصيل في دمشق حالياً والذين حافظوا على هذه المهنة بتقاليدها وأصولها لا يتجاوز عدد أصابع اليد كما يقول لـ (محطة أخبار سورية SNS ) (رائف البكري) أحد الفنانين الذين ما زالوا متمسكين بهذه المهنة العريقة.
ويشرح البكري التطور الذي طرأ على هذا الفن بعد دخول التقانات الحديثة مثل الكمبيوتر، موضحاً أن قلة من العاملين في هذا الفن حافظت على التمييز بين كل من أسلوب الخيط العربي والنقش الفاطمي والأندلسي فيما شرع البعض الآخر بدمج هذه الأساليب الثلاثة.
وقال البكري إن أذواق المستهلكين هي التي ساعدت على هذا التوجه، موضحاً أن المواد المستخدمة في هذا الفن تكون عادة من الأخشاب الطبيعية الأساسية مثل الجوز والحور وخشب الكندي لكن هناك توجهاً حالياً إلى الأخشاب الأقل ثمناً مثل الأخشاب المصنعة (اللاتيه والإم دي إف وغيرها).
 
وتعود نشأة فن الخيط العربي إلى عهد ازدهار الحضارة العربية الإسلامية عندما نزع الفنانون نحو الرسم الهندسي والنباتي انسجاماً مع ما حظره الدين الإسلامي عليهم من رسم الأشخاص والحيوانات حظراً هادفاً غير متزمت.
 
ودخل فن الخيط العربي في الحياة اليومية للناس وأصبح مظهراً شائعاً تزدان بروعته أغلب المساجد والقصور والبيوت الدمشقية العريقة والذي حوى في معظمه آيات قرآنية وحكماً مأثورة أو أشعاراً معروفة كتبت من قبل مشاهير الخطاطين بالخط الكوفي أو الثلث أو الديواني إلى غير ذلك من أنواع الخطوط في تناغم فريد مع التشكيلات الزخرفية بألوانها الزاهية شكلت في مجموعها لوحات فريدة متصدرة استقطبت الأنظار واستهوت الأفئدة.
 
وعلى الرغم من تاريخ هذا الفن التراثي وقدمه فإنه لا يزال يجد إقبالاً من عشاقه ومعجبيه بل ازداد هذا الإقبال في العصر الحديث وفي هذا السياق يقول البكري :"إن هذا الفن مازال مطلوباً وخصوصاً من دول الخليج وبعض الدول الغربية مثل ألمانيا وبريطانيا وكندا وهو ما يطلب غالباً على شكل قطع أو لوحات فنية".
 
ودأب الفنان الدمشقي بتأصيل فنه للخيط العربي من خلال خياله المبدع وإلمامه بالهندسة والمساحة والحساب وضبط المقاييس إضافة إلى سمو الذوق والحس الإبداعي فهذا الفنان يتفاعل في حرفته الفنية مع نبضات قلبه فيسكب روحه وذوقه في عمله.
 
والخيط أو (الأرابيسك) وهو الاسم الذي أطلقه الغرب على هذا النوع من الزخرفة العربية الهندسية والذي تعد المثمنات والأشكال الزخرفية الاثني عشرية من أكثر الأشكال الشائعة فيه حيث تتجاوز تلك الأشكال الهندسية في متواليه بصرية متداخلة ومتكررة تفضي كل واحدة منها إلى الأخرى مثلما تفضي إلى ذاتها وهو ما يسمى بالرقش اللين.
 
وهناك زخارف أخرى مركزية تبدو في هيئة وميض متناوب حيث حاول الفنان المسلم تجسيد عقيدته في تلك الخطوط التي بدت متجمعة في مركز واحد أو منطلقة منه وإلى ما لا نهاية.
 
فالخيط العربي ليس مجرد زخرفة بل إن له وظيفة رمزية وله ألوانه وزخارفه وتستخدم في إبداعه مواد لا يعرف سرها إلا أصحابها ولعل من أبرز العائلات الدمشقية التي حافظت على هذا التراث الفني وعملت به منذ القدم ومازالت حتى يومنا هذا (الدهان والخياط وأوضه باشي ومحفوظ).

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.