تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دير مار جرجس.. رمز الصراع بين الحياة والموت

لا يخلو بيت سوري من رسم خيالي لمار جرجس، أو سيدنا الخضر (أبو العباس) كما يعرفه المسلمون، على هيئة فارس مقدام، يُمسك بيده حربة طويلة يضرب بها رأس تنين، أو أفعى كبيرة، ويجهز عليها تحت حوافر حصانه.
ويقول الباحث في الميثولوجيا (فراس السواح) في كتابه (كيف نفهم الأسطورة– دراسة في معنى الأسطورة وتطورها عند الشعوب) أن (مارجرجس– الخضر) هو رمز للصراع بين الحياة والموت، الخصب والجفاف، النظام والفوضى، الخير والشر.
 
ومارجرجس هو بعل في الأساطير السورية ما قبل المسيحية والإسلام، رمز الشباب، والقوة، والخصب، وفي اليونانية يعني (جاورجيوس) الفلاح باعث الخضرة، كما يرمز في العربية إلى الاخضرار، ما يعني أن ثلاثة أسماء لرمز واحد، وثقافة واحدة، ووجدان شعبي واحد، إنه تراثنا القومي المستمر تواصلاً منذ آلاف السنين.
وارتبط اسم القديس بدير مارجرجس– الحميراء– أو دير سيدنا الخضر أبي العباس الذي يعتبر من أهم وأشهر الأديرة القديمة السورية، ويقع هذا الدير في وادي النصارى– قضاء تلكلخ بين حمص وطرابلس قريباً من قلعة الحصن، ويبعد عن محافظة حمص نحو(58) كم، وعن الساحل السوري مسافة تقدر بـ (32) كم.
 
ومن النفائس التي يحتويها الدير مخطوطة باسم الخليفة عمر بن الخطاب مكتوبة بخط معاوية بن أبي سفيان بالخط الكوفي، وتُعتبر هذه المخطوطة التي سُميت (الوثيقة العمرية) من أهم المواثيق الخاصة بحرية الأديان، وحقوق الإنسان، التي أرسى دعائمها الإسلام، في ظل ما كان معروفاً من أوضاع في القرون الوسطى، وما سبقها، وفي ظل قوة الدولة الإسلامية التي كان شعار قادتها العدالة، والتسامح الإسلامي الذي نبع من موقف القوة لا من موقف الضعف، وتحوي الوثيقة المذكورة ثلاثة بنود رئيسية في تحديد العلاقات التي تربط المسيحيين بالمسلمين وهي:
+ توطيد العلاقة بين المسيحية والإسلام.
+ إعفاء الدير من جميع الضرائب.
+ تنظيم العلاقات الاجتماعية مع المسيحيين، وحماية الصومعات، والكنائس، مع المحافظة على الأوقاف الإسلامية، وعدم التعدي عليها.
 
وكتب للمسيحيين هذا العهد خلفاء المسلمين بدءاً من الخليفة الراشدي الأول (أبو بكر الصديق)، وانتهاءً بالخليفة (علي بن أبي طالب)، وفي نهاية المخطوطة إشارة إلى تاريخ إملائها (يوم الإثنين في تمام أربعة أشهر من الهجرة إلى المدينة)، أيضاً أسماء بعض الصحابة الذين شهدوا عليها.
كما تتألف مخطوطة عمر بن الخطاب من قسمين:
قسم أثري هو عبارة عن مجموعة أختام بالحبر الأسود.
القسم الآخر أُلصق بالقسم الأول، وهو عبارة عن مخطوطة من الورق المُلصق على قماش يشير إلى ما أملاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) على معاوية بن أبي سفيان بخصوص وضع المسيحيين النصارى ضن الدولة الإسلامية بشكل عام.
وقد بُني دير مارجرجس على الطريق الروماني العام المؤدي من السواحل البحرية إلى المدن الداخلية كحمص وتدمر وعبر الصحراء، ويشغل الدير مساحة تناهز ستة آلاف متر مربع، وبني كله بالحجر الكلسي على الطراز البيزنطي المتأثر بالفن العربي الذي يعتمد على وفرة العقود، والقناطر، والأقواس، ويعود تاريخ تشييد دير مارجرجس إلى القرن السادس في عهد (الإمبراطور يوستينيانوس) وكما تذكر المراجع العربية والأجنبية، فقد بُني الدير على اسم القديس الشهيد جاورجيوس (جرجس عند المؤرخ الطبري)، وغير النصارى يدعونه الخضر أبو العباس، وهو على ما يذكر مؤلف (المنجد في الإعلام) من أمراء القبادوق، استشهد على أيام (ديوقليتيانوس) الإمبراطور الروماني سنة 303م. 
كما يُرجَّح أن يكون الدير موقعاً لقرية قديمة تحمل هذا الاسم نسبة لإله المطر عند الشعوب القديمة، وبعض الباحثين ينسبون لفظة (حميراء) التي التصقت باسم الدير إلى الكلمة اليونانية (خوميروس) التي تعني السيل، لاسيما أن المنطقة كما هو معروف تقع ضمن خط المطر، وهي معرَّضة للأمطار الغزيرة، والسيول في فصل الشتاء.
ويُقال أيضاً إن الدير شُيِّد على أنقاض هيكل وثني للإله (هوميرا)، ومن ثم أصبح أساساً للدير القديم (الطابق الأرضي)، فهل جاءت كلمة حميراء من (هوميرا)؟ وإن صح القول فإن الدير القديم يكون قد بُني على أنقاض هيكل (هوميرا) في القرن السادس الميلادي، ما يعني معاصرته لدير صيدنايا البطريركي، وقد رجَّح بعضهم أن الإمبراطور ( يوستينيانوس) البيزنطي هو من بنى الديرين معاً، وهناك احتمال بأن تسمية الدير بـ(الحميراء) تعود إلى الكلمة اليونانية.
 
وإضافة إلى مجموعة رائعة من الأيقونات، والايقونسطاسات، يضم دير مار جرجس نفائس أخرى، تحسده عليها متاحف القطر، وهي تشمل قطعاً وردت إليه عن طريق الإهداء، أو أنها عناصر ارتبطت بعمارة الدير، و لا تتمثل أهمية نفائس الدير في كونها نفائس فقط ، بل لأنها تاريخ حي لتطور الفنون في سورية، كما تغني عناصر المقارنة لدى البحث في تاريخ العالم البيزنطي القديم.
 
وفي خزانة الدير أوانٍ كنسية من كؤوس، وصوان، ومباخر، إضافة إلى العديد من المخطوطات الأثرية القديمة، والكتب، وامتيازات من العهد العربي الأول، وهدايا من ملوك الأرمن، والكرج (جورجيا حالياً)، ومن النفائس الكرجية مروحة كُتب عليها تاريخ صنعها وهو عام /1154/ م وإنجيل باللغة الجورجية، وهناك عدد من النفائس الورقية ككتاب (التيبكون) الذي خُط عام 1311م، وكتاب رسائل مرسلة من الرهبان خط عام 1624 م.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.