تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تراب ابراهيم الحميد بحث عن جذور الأشياء والإنسان

تختصر كلمة (تراب) التي اختارها ابراهيم الحميد عنواناً لمعرضه المقام حالياً في صالة السيد بدمشق، الكثيرمما أراد قوله عبر اللوحة والتشكيل.

فالحميد في أعماله الجديدة يبدو مشغولاً كثيراً بإعادة الأشياء إلى جذورها أو منابعها الأساسية إذا صح التعبير، سواء فيما يتعلق بالإنسان عندما أعاده إلى حقيقة أن المرأة جوهره وأمه الشرعية، أم ما يتصل بالكون عندما استخدم مادة التراب في صناعة أعماله كإشارة إلى علاقة هذا الأمر بالمفهوم الذي يتبناه في مفهومه للحياة والرسم بشكل عام.. هنا يظهرابراهيم الحميد مستغرقاً إلى أبعد الحدود في مجمل النتاجات التي حصل عليها جراءتجربة طويلة من ممارسة الفن، وهي محاولة تدفعه أيضاً إلى العودة للماضي والحنين لأيام الطفولة الأولى في مدينته البعيدة البوكمال، حيث تشكل تلك المنطقة الخزان الرئيسي لسرب الألوان والأشكال التي مازالت قادرة على رفد تجربته، رغم انقضاء زمن طويل على مغادرته لها.
محوران أساسيان يمكن قراءةأعمال ابراهيم الحميد من خلالهما، الأول هو المستوى الفني أو التقني وكل ما يتصل بالمادة واللون والخط، والثاني نظري أو فكري، تشكل جراء نضوج التجربة والرؤية إلىدور الفن وماهية الحياة وما يمكن أن يتصل بذلك من أسئلة في هذا المجال!. هكذا يعودابراهيم إلى جذور الأشياء فيستند إلى المرأة الأم قبل كل شيء، حتى عندما يصور بعض التفاصيل الأنثوية في جسدها أو تفكيرها، فهو يهدف من وراء ذلك إلى إبراز قدسيةأمومتها ومكانتها العالية في الحياة بشكل عام، فالواضح أن الفنان مشدود بقوة إلى الطفولة وقصة التعلق بالأم، لذلك فإن وجوه النساء المغمضات أو الحالمات يكاد يتكررفي معظم اللوحات، خصوصاً وهو يصور الحياة كسفينة تنتج عن حالة الحلم ذاك، فالمرأةهي تراب الإنسان هنا، أما التراب فهو أصل الإنسان إذا صح التعبير... معادلة بسيطةيفسرها الحميد عبر ألوانه التي عاد بها من مناطق طفولته الأولى، هناك عند السهوب والمناطق المبسوطة كراحة اليد، يبتكر ألوانه من البادية البعيدة التي من الواضح أنها مازالت تحتفظ بمكانتها في مخيلته وقلبه في آن واحد.
في أعمال ابراهيم الحميد،هناك دائماً امرأة محورية تشكل مركز اللوحة أو محورها الذي يفرز كل تفصيل موجود على الكادر، لتبدو الأشياء والألوان والأشكال الغريبة مجرد نتاج لمخيلة المرأة وأمومتها تاريخياً لمجمل تفاصيل الحياة.. فالمرأة المتماهية مع التفاح أو التي يبدو التفاح جزءا منها أو هو ينهمر من مخيلتها وجسدها في إشارة إلى الحياة، وكذلك المرأةالمستقرة كملكة ووراءها خلفيات تشير إلى صلتها الوثيقة بها أو تؤكد انبثاقها من ذلك الأصل الذي ظل ابراهيم الحميد يبحث عنه على الدوام... حتى لوحة المرأتين المتقابلتين في لوحة صنعها الفنان على جزأين لا ينفصلان في حقيقة الأمر، تبدو كل منهما مشغولة باختراع كونها الخاص، أو ربما تكمل إحداهما الأخرى في دلالة إلى التكامل والتواصل بينهما، وقد زاد ابراهيم من ذلك الربط عندما وصل بينهما عبرالبياض الذي أظهرهما كنهرين يتفرع منهما كل ما هو ضمن كادر اللوحة التي تظهر كعملين متصلين!. ‏
ألوان ابراهيم الحميد، تتصل بالموضوع وبقصة التراب بشكل واضح، وهو إما أن يظهرها زاهية نارية شديدة التأثير على العين، أو هادئة حزينة كأنها تقدم خلاصات عن تفكيره وتأملاته الكثيرة في هذاالمعرض، لذلك فإننا نجد في اللوحات فئة الألوان التي يغلب عليها الأحمر مع مشتقاتهالكثيرة، أو الأزرق بتدرجاته المختلفة أيضاً، وهو في الحالتين حافظ على أزلية مكانةالمرأة وفحواها وأمومتها الشرعية للإنسان..
 
في جدارية الرؤوس والأجسادالمنقسمة إلى مستويين أعلى وأدنى، يعيد الحميد القصة ذاتها فيما يتعلق بالمرأة،فيرسم المرأة المحورية المتصدرة واجهة اللوحة، ثم يزرعها بقية المساحة بالأشخاص المنهمكين بالتحديق أو الحركة والذين يبدون مربوطين بخيط يجعلهم متصلين تماماً، وهويريد من كل ذلك أن يشير إلى قصة الحياة والتي تأتي في مقدمتها الأم بالتأكيد!. ‏
ألوان الفنان وتشكيلاته تنطوي على خصوصية واضحة، مردها طفولته الأولى كما أسلفنا، تلك الطفولة التي ظل يعودإليها في أعماله، عندما يصور طفلين موجودين في ضفتين أو عالمين هما جزءا اللوحة،لكنهما في الوقت نفسه يلعبان أو يتواصلان عبر ألعاب وأدوات مستعادة من الماضي الذييشكل مخيلة الفنان أو يرتبط بطفولته الأولى.. أو عندما يجعل المرأة تفتح ذراعيهامثل ملاك تريد أن تحتضن كل شيء محيط، وذلك في إشارة إلى المرجعية التي يعملها على أساسها ابراهيم ألا وهي التراب أو الأصل وجذور الأشياء!. ‏
معرض الحميد مليء بالأفكارالمتناسلة حديثاً جراء نضوج تجربته الفنية والحياتية، وزاخر أيضاً بالألوان الطفليةالمستمدة من ذاكرته الأولى، وهما ضفتان ظلتا محكومتين بالخط البياني لانفعالاته ضمن هذه الأعمال، سواء ارتفعت وتيرتها فتباعد الفاصل بينهما، أم اقتربتا إلى حد للتلاقي والاتحاد، وهو في كل ذلك يبعث برسالة جوهرية واحدة تتعلق بماهية الأشياء والحياةوأصل التطورات التي اختصرها بكلمة (تراب) التي اختارها كعنوان!. ‏
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.