تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مهرجان الشام المسرحي 4 تكرار لفعل ماضي

 

لم يخرج برنامج مهرجان الشام المسرحي الرابع عن كونه تكرارات ممجوجة لعروض سبق أن شاهدناها مرة على الأقل، وإن مجرد إعادة عرضها دون أي تعديلات تذكر وبطواقم العمل نفسها، يندرج فقط ضمن رغبة لملء الفراغ الذي شكله غياب الموسم المسرحي هذا العام لكن دون أن يأتي هذا المهرجان بجديد، لا بل على العكس، يصر على إرهاق الجمهور بفصاحات مجانية دون أي سعي لتحديد هويته، رغم أنه طرح نفسه في دورتيه الأولى والثانية على أنه استمرار لمسرح الهواة، ذاك المسرح الذي برز منذ ستينيات القرن الماضي مجاهراً بخروجه عن المألوف المسرحي الرسمي آنذاك، وشكل حركة مسرحية موازية لا ترتكن للتقليد بقدر تركيزها على المغامرات الروحية والفكرية لهواة مسرح حقيقيين، أدركوا مغزى جلّ التجارب السابقة، وحاولوا عبر ورشات عمل مستمرة أن يخلقوا بصمتهم الخاصة من خلال تطويع كل عناصر هذا الفن الآني في خدمة رؤاهم المعاصرة، حيث كانت لديهم القدرة على إضفاء نكهة جديدة مغايرة لعروض المسرح الرسمي وإضافة زخم رديف على ما يقدمه الريبورتوار المسرحي السوري، وذلك من خلال محاولات متجددة أنتجت فيما بعد نخبة مسرحية وثقافية بل -وسياسية في بعض الأحيان- وعت التيارات المسرحية القائمة وشكلت تيارها الخاص، وذلك بغية تجذير أصول مسرحية من خلال تطويع التراث العربي والعالمي، إضافة إلى إبداع نصوص برؤى جديدة تدعم التوجه ذاته، وتسعى عبر التجريب إلى ترسيخ دعائم مسرح له خصوصيته ومزاياه الفريدة.
 
لكن مهرجان الشام المسرحي في دورته الرابعة المهداة إلى القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 لم يخرج عن كونه تجميعاً لأعمال سبق عرضها في مناسبات متنوعة، فعرض الافتتاح (مشاجرة) لمخرجيه (نضال صواف) و(زهير البقاعي) قُدم ضمن عروض مهرجان الشباب المسرحي الرابع بطرطوس ومهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر بدمشق الذي عرض فيه أيضاً (المنفردة) لمخرجه رامز الأسود، أما عمل (سوناتة الانكسار) لفرقة شبيبة الحسكة وإخراج (وليد العمر) فقُدم في المهرجان المسرحي الشبيبي المركزي بدورته الثالثة والعشرين، وكذلك (أخطاء حمراء) تأليف وإخراج «مولود داوود» سبق عرضه في مهرجان نقابة الفنانين المسرحي الثاني باللاذقية وفي ختام عروض مهرجان الماغوط المسرحي الثالث في السلمية، أما عرضي (نرجع كالريح) لرفعت الهادي و(أيام ع البال) لفرقة أجراس العودة فقدما هذا العام بمناسبة القدس عاصمة للثقافة العربية، الأول على مسرح وزارة الثقافة في السويداء، والثاني على مسرح قلعة دمشق. ‏
 
 
وبالتالي فإن هذا المهرجان لم يأت بصفته حراكاً مسرحياً ولا محاولة لانتشال المسرح السوري من سباته، بل على العكس جاء ترسيخاً للرّكون في ظل عدم قدرته على التطلع لما يمكن أن يكون عليه المسرح في سورية، فضلاً عن انعدام رؤية واضحة يتم عبرها انتقاء العروض المشاركة، وهنا تأتي مفارقة تشكيل مجلس إدارة للمهرجان مؤلف من (زهير بقاعي، اسماعيل خلف، وليد العمر، رفعت الهادي، رامز الأسود، مولود داوود، نوار بلبل) من مهامه مشاهدة العروض ودعوة أفضلها للمهرجان، لنتبين في النهاية أن هذا المجلس رشّح العروض التي شارك فيها أعضاؤه إما كمخرجين أو مؤلفين أو ممثلين، وبهذا حافظ هذا المهرجان بدورته الرابعة على نظرة ثابتة إلى الماضي القريب تنتفي فيها أي رؤية متكاملة للواقع من خلال ارتباطه الوثيق بالقضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية الراهنة، بحيث أنه بقي خاضعاً لإملاءات النصوص العالمية، وعدم القدرة على تطويعها محلياً، إضافة إلى فقر الروح المسرحية لدى معظم مخرجي عروض المهرجان، والتي انتقلت بدورها إلى الممثلين، ما أدى إلى نكوص حاد في العلاقة مع المتفرج، لاسيما في ظل عدم ملامسة هواجسه وأحلامه أو حتى همومه، وبالتالي تحولت الدورة الرابعة لمهرجان الشام إلى مجرد (ظاهرة تجميع) لفرق تقدم عروضاً غير معنية بمعظمها بأية عملية بحث عن خصوصية مسرحية متميزة، تتخلص من رواسب التهريج المجاني، وتؤسس لحراك فعلي، يستوعب قضايا هذه المرحلة ومشكلاتها وآمالها، من دون أن يركن إلى أفعال مسرحية ماضية مبنية على الرّكون، ومغرقة في عدم انتمائها لأي تصور واقعي يمكن أن تنطلق منه إبداعات حقيقية في المستقبل، عبر الاعتماد على أفعال بصيغة الحاضر المستمر تلائم المسرح وآنيته، وتركز على رؤية دراماتورجية صادقة قادرة على إيصال عروض المسرح السوري إلى بر الأمان. ‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.