تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أدونيس في حمص: الشعر تفكيك للمجتمع

 

في حمص أصول كثيرة لذكريات شخصية ففيها برد الطبيعة شديد وقارس جدا وقد أحسست بذلك عندما كنت أؤدي خدمة العلم، وذروة الاختبار فيها عندما تعلمت كيف أحلق ذقني وأغسل وجهي بفنجان واحد من الماء . وأجهل سبب هذا .
 
إنها لم تعلمني التوفير بل البذخ والتبذير وهذا ملمح من الجانب الجمعي أكتفي به وأحتفظ بالذكريات الشخصية لنفسي .‏
 
وها أنا الآن أعود إلى حمص بعد ست وخمسين سنة.‏
 
بهذه المقدمة الجميلة بدأ الشاعرالكبيرأدونيس الأمسية الشعرية التي أقيمت في الثامن من الشهر الحالي في قاعة جوليا دومنا بفندق السفير التي غصت بالحضور وذلك ضمن فعاليات أسبوع ماراليان الثقافي الخامس الذي تقيمه مطرانية الروم الأرثوذكس بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة ومحافظة حمص وكان قد خص الصحفيين بندوة حوارية ظهيرة اليوم نفسه امتدت حوالي الساعتين ، أجاب خلالهما الشاعر على الأسئلة المطروحة وتناول قضايا هامة جدا .‏
 
وقد كانت بداية الحديث ردا على سؤال عن رأيه بمقولة « موت الشعر» وعما تناقلته وسائل الاعلام عن رأيه بمدينة دمشق على أنها ليست مدينة مبدعين .‏
 
حيث قال « إن الشعر لا يموت لأن موت الشعر يعني موت الإنسان وهو أعمق ما يعبر عن شخصية الإنسان وهويته ، وهو تلك الرابطة اللغوية بين الانسان والعالم ومثله مثل الحب.‏
 
إن الشعر لا يموت وإنما يتغير كأساليب ، كقضايا، كطرق تعبير ، كمقاربات ، وعلى العكس إن عصر العلم والتقانات الحديثة التي نعايشها اليوم هي عامل آخر لتجعل من الشعر ضرورة ملحة» .‏
 
أدونيس يوضح‏
 
أما ما نقل عنه بخصوص مدينة دمشق فقد قال: «أخذ الكلام من سياقه ، فإذا استقرأنا التاريخ -حسب رأيه - وأخذنا مدينة دمشق، ودرسنا تجليات الابداع فيها لاحظنا انها تكاد تخلو من المبدعين ما خلا الشاعر نزار قباني الذي ولد في دمشق ولكنه عاش معظم أيامه خارجها ، فدمشق ليس فيها قامات كبيرة قياسا بالقاهرة أو حتى حلب ، و هذا واقع تاريخي ألاحظه ولا أخترعه. وأسباب ذلك بحاجة لدراسة فربما تكون سياسية أو دينية أو تاريخية . إن دمشق مدينة السياسة والتجارة وفي هذا السياق أستغرب عدم وجود جائزة للفن التشكيلي أو الرواية أو القصة أو الشعر مع أن دمشق هي عاصمة سورية التي تعتبر أم الحضارات، إن دمشق مطالبة بأن تكون مركزا ثقافيا متمردا على مستوى العالم . فحضارة الشعوب تقاس بفنونها وفي دمشق يجب أن يكون أكثر من أوبرا للفنون»؟!! .‏
 
وعن قضية الجوائز التي يحصل عليها بعض الكتاب والشعراء وخلفياتها السياسية أضاف : أنا ممن دافعوا ويدافعون عن الفصل بين السياسة والكتابة الأدبية وعندما ينظر إلى الكتابة بوصفها وسيلة سياسية لخدمة أشياء أخرى تكون النظرة خاطئة، ومن يؤمن بذلك يرتكب جرم خيانة نفسه وخيانة الآخرين . إن الإبداع سياسة نظيفة والموجود في البلدان العربية هو السياسة الايديولوجية وأنا لست ضد السياسة وإنما ضد السياسة التي تخدم قضية مباشرة والشعر يخترق جميع الايديولوجيات ويخترق السياسة .‏
 
أدونيس الصحفي‏
 
وعن ابتعاده عن الكتابة الصحفية التي كان يمارسها في الستينيات من القرن الماضي « جريدة البناء» قال: لازلت أكتب في جريدة الحياة زاوية نصف شهرية، ولدي شروط للكتابة لا أتخلى عنها وفي مقدمتها أن أقول رأيي بحرية كاملة وأنا لا أستسلم لأي جهة كانت فمن حق الجهة الناشرة أن ترفض لكن ليس من حقها أن تغير أو تقوم بما يوحي علي أن أمشي ضمن سياستها وأنا حريص على الكتابة في الصحافة لأننا نمر بتجارب كثيرة ومن خلال الصحافة نستطيع أن نتحدث عن تلك التجارب .‏
 
الشعر بعيد عن الموضوعية أما بخصوص عدم فهم الآخرين لشعر أدونيس وعن قضية تجاوزه لتابو الدين فقال : أنا لا أحارب الأديان لأني مؤمن بحرية الانسان وبحرية معتقداته، والدين حاجة للانسان وهو كالحب والشعر ولا أحد يحارب الشعر والحب والصداقة إنما أحارب التأويلات الدينية التي تفرض أموراً عدة على العقل وعلينا في هذا السياق إعادة قراءة موروثاتنا الثقافية باستمرار وإذا لم نفعل ذلك فإن تلك الموروثات هي التي تقرؤنا وهذا يعني أننا لسنا موجودين ولسنا احياء . إن الانسان الحي هو الذي يعيد قراءة موروثه في ضوء ما يعيشه وفي ضوء المستقبل وإلا تحولت إلى مثل جامدة لا علاقة لها بالواقع، إن ما أعطى الحيوية للدين الاسلامي هو الخلافات في تأويلاته فالثقافة كلها قامت على نوع من هذا التأويل فالدين عندما يقرأ قراءة عميقة لا يتنافى مع العقل لذلك نشأت الفلسفة التوفيقية ورائدها ابن سينا . التأويل أساس الفكر العربي ، وقد خلق التأويل عالما غنيا من الفكر والشعر والإبداع ، وعالم التأويل يحول الدين إلى نوع من المسلمات اليقينية التي يجب ألا تبحث .........؟‏
 
في عالم الفكر ليس هناك يقين ثابت إن الفكر قائم على التساؤل وعلى مزيد من البحث والمعرفة . وحتى الآن لا يوجد مفكر واحد في عالم الإسلام قرأ أو يقرأ الإسلام قراءة عميقة .‏
 
أما بخصوص عدم فهم شعري فالمسألة الشعرية مسألة ذوقية وشخصية فالشعر هو وجهة نظر للعالم من حولنا . وإذا قرأنا شاعراً وأحسسنا انه لم يطرح أي سؤال ولم يؤسس لنا جمالية جديدة أو وجهة نظر جديدة واكتشاف قيم مغايرة في الكون وإنما يعبر عمت في أنفسنا فقط فهذا ليس شعراً . فعلى الشعر أن يخرجنا من أنفسنا يحرضنا على أن نتطلع إلى أشياء أخرى . وأنا من الأشخاص الذين يحاولون أن ينتزعوا البشر من أنفسهم وأن يثوروا على أجسادهم وعلى أفكارهم ومجتمعاتهم وهذا صعب جداً فالشعر كالحب بعيد عن الموضوعية إنه نوع من الحساسية والتذوق ويكون جميلا عندما يجعلنا نكتشف المزيد من الجمال أو نرى العالم بصورة مختلفة فإذا لم يتجدد العالم لن نتجدد نحن كقراء إن الشعر هو تهديم ما ألفناه والخروج عليه .‏
 
وعن غربة الشاعر « ليس في المكان» ومدى تفتيقها لعوالم جديدة في نفس ادونيس أضاف : الشعور بالغربة موجود في شعري لكني أظن الشاعر بطبيعته غريباً دائما وحتى في لغته لانه يسير في المجهول وكلما تقدم في سيره يتحول ، يتغير ، فهو داخل ذاته وداخل لغته غريب . وهذا النوع من الغربة أصعب من الغربة التي تعني الابتعاد عن الأمكنة والناس والغربة تعني بناء الذات وبناء العالم مجازياً ،فدائما هناك انفصال عما تعرفه أو تألفه وإن لم يحصل ذلك وقعت في التكرار والشعر الجماهيري يستحيل أن يكون إلا شعرا سطحيا لأن هناك أفكاراً عامة تلتقي فيه وفي النهاية لا يعبر عن فرادة الشخصية. إنما ما أكتبه هو نوع من إعادة بناء المجتمع ، تفكيك المجتمع وإعادة بنائه من جديد ، فمن يريد أن يفهم شعري عليه أن يقتنع بالتفكيك وإعادة البناء .‏
 
الحداثة‏
 
غير موجودة ..؟‏
 
ورداً على فشل مشروع الحداثة في الشعر قال : لم تدخل الحداثة في المجتمع العربي إلا إذا اعتبرنا السيارات والطائرات والبناء حداثة أما في الشعر فليس هناك حداثة، وما سمي قصيدة نثر هو مجرد شكل وقد تكون قصيدة النثر أكثر تقليدية عما كان في الماضي لان الأساس مازال قائما والأمر متعلق بالقراءة فعلى سبيل المثال تختلف قراءة شكسبير بين شخص وآخر، وهل قراءة النص القرآني متقاربة ؟ هناك يقرؤونه على مستوى نظري وآخرون على مستوى التحليل . فالنص إذا مر بعقل صغير يصغر وإذا مر بعقل كبير يكبر إذا هي مشكلة جماعية ، كلية ، ثقافية والأفراد ليسوا مسؤولين، فعلينا الاعتراف بها ووعيها .‏
 
النقـــد... قراءة‏
 
هل لدينا نقد أدبي ؟‏
 
يجيب أدونيس : لكي ننقد نصا أدبيا ابداعيا يجب أن نلج إليه ونقرؤه قراءة جيدة ،فبدل أن نسأل إن كان لدينا نقد ام لا علينا ان نسأل : هل لدينا قراء ؟‏
 
لأن النقد هو قراءة ومشكلة الثقافة لدينا هي القراءة ومستوى هذه القراءة ، فهناك نقاد دون مستوى المنتج الإبداعي .....!! .‏
 
وهناك نقاد لم يأخذوا دورهم بشكل حقيقي فظلوا مهمشين. بالمختصر نستطيع أن نقول أنه لا توجد قراءة لنص عظيم ..!!‏
 
الشعرالجاهلي متنوع جداً‏
 
هل خدم الشعر الجاهلي السياسة في المجتمع العربي ؟‏
 
يرد أدونيس على هذا السؤال قائلا : من الخطأ أن نقول شعراً جاهلياً وإنما يجب أن نقول شعر العرب ما قبل الاسلام ، فإذا كانوا جاهليين لماذا أنزل القرآن بلغتهم؟ إذن يجب إعادة النظر في الرؤية التاريخية لتلك الحقبة التي لم يكن فيها مجتمع موحد بل قبائل ومجتمعات صغيرة متعددة ، وكان للشعر طاقة بيانية تفصح عن البيئة العربية . لقد كان الشعر في ذالك الوقت اعلاما عربيا وبهذا المعنى فإن الشعر يخدم المجتمع بينما شعر الخطابات شعر اعلاني وهنا يجب إعادة الاعتبار لتلك الحقبة من التاريخ وعدم تسميتها بالجاهلية والعرب الآن مدفوعون بحس الوحدة الوهمية ويريدون أن يوحدوا الشعر الجاهلي مع أنه متنوع جدا .‏
 
انقراض الحضارة‏
 
انقراض إبداعي‏
 
طرح الشاعر قضية انقراض الحضارة العربية في محاضرة له في العراق، وقد أثار هذا الطرح ردود فعل كثيرة لكنه أوضح أن ما قصده ليس الانقراض البشري وأنما الابداعي . فماذا لدينا في الوقت الحاضر كعرب لنقدمه إلى العالم الحديث مقارنة بدول صغيرة حققت قفزات نوعية وفي كل المجالات ، فلو تصورنا أنه تم تنظيم دائرة مستديرة ابناء العالم الحديث واستدعي إليها الصيني والفرنسي والياباني والعربي فماذا لدى العربي ليقدمه؟ وبالمجمل ماذا نملك نحن العرب لتأسيس حضارة كونية جديدة ...!!‏
 
المرأة غائبة عن الثقافة العربية‏
 
وعن رأيه بالنتاج الابداعي النسوي أجاب أدونيس : المرأة غير موجودة في الثقافة العربية ومعظم الكتابات النسوية تكون كردة فعل على ما تقوله الذكورة كمؤسسة . فعل المرأة في كتاباتها ان تزلزل الأسس التي قامت عليها الذكورة في المجتمع العربي وعليها ان تتأكد أن المستعبد الحقيقي هو الرجل وليس المرأة لذلك يجب أن تساعده وتأخذ بيده ليتخلص من استعباده. وأخيرا ختم حديثه مع محاوريه بأن حلمه _ إن كان لديه حلم _ هو البحث الدائم عن الحلم غير القابل للتحقيق والحقيقة التي لا يمكن القبض عليها .‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.