تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رسالة ماركيز الأخيرة: الإبداع وسيلة لمواجهة الموت

 

محطة أخبار سورية

"إنني أكتبُ كي يزيد النّاسُ من حبّهم لي"، لهذا الغرض كتب ُ ماركيز رواياته ومنها"الحبّ في زمن الكوليرا" و"لا أحد يُكاتبُ الكولونيل"، ليصبح الإبداع وسيلة لمواجهة الموت.

 

فحبّ النّاس هو حبّ الحياة،وكلما زاد الحب، تواصلت الحياة، والفنّ هو زيت سراج الحياة، وهو الضّامن لاستمرار الإنسان كمَا يرى نيتشه"الفنّ ولا شيء إلاّ الفنّ.

 

فنحنُ لدينَا الفنّ كي لا نموتَ في الحقيقة "،و الإبداع يخلّد ذكرى الإنسان بعد موته فلا يُنسَى بل يدخل الذاكرة ويسكنها، كمَا ذكر عبد الرّحمان منيف في"لوعة الغياب":"إذا كانَ الموت الماديّ الذي يلحقُ الكائن البشري يغيّبهُ، كفرد، عن الأنظار، فإنّ ما يتركهُ هذا الكائن، خاصّة في إطار الفنّ والفكر والأدب، يبقَى ويتنقّل إلى الأجيال اللاّحقة، ليُسهمَ في تكوين الذّاكرة وتعزيزهَا".

 

وتحدّث ميلان كونديرا الرّوائي التّشيكي في روايته"الجهل"عن وجه من وجوه الموت وهو الغياب من خلال شخصيتَي"إرنا وجوزيف"، ومرارة هذا الموت، وفي هذه الرّواية صوّر ميلان كونديرا بتقنيات السّرد والمراوغة ليكشف حقيقة عذاب الموت أيّ الغياب ويبيّن أنّ الكتابة هي السّلاح لمقارعة هذه الحقيقة الحتميّة.

 

الكتابة التي تبرز ولع الإنسان / الأديب بالحياة، إذ أنّه يعيش بهَا وسط أهله ومجتمعه والعالم لأنّه"أنا أكتب إذن أنا موجود"، ولذلك قال ماركيز:" أنا مولع بالحياة ...الحياة هي أفضل ما وجد على الإطلاق ... بهذا المعنى يبدو لي الموتُ شيطانًا رهيبًا ... إنّ الموت بالنّسبة لي هو النّهاية .. انتهاء كلّ شيء .. إنّه أكبرُ مصيدة على الإطلاق."

 

وعندما بدأ ماركيز يتألم بأوجاع المرض في نهاية عام 2008 كتبَ رسالة إلى أصدقائه، وضمّنهَا رؤيته للحبّ و للحياة وللكتابة ولفلسفته في الوجود يقول فيها:

 

"لو وهبني/الله حياة أطول لكانَ من المحتمل ألاّ أقول...كلّ ما أفكّر فيه، لكنّني بالقطع كنتُ سأفكّر... في كلّ ما أقولهُ... كنتُ سأقيم الأشياء ليسَ وفقًا لقيمتهََا الماديّة، بل... وفقًا لما تنطوي عليه من معان... كنتُ سأنامُ أقلّ .

 

وأحلمُ أكثر...في كلّ دقيقة نغمضُ فيهَا...عيوننا نفقدُ ستّين ثانية من النّور،كنت...سأسير بينمَا يتوقّفُ الآخرونَ. أظلّ يقظًا... بينمَا يخلدُ آخرونَ للنّوم، كنتُ سأستمعُ... بينمَا يتكلّمُ الآخرونَ . كنتُ سأستمتعُ بآيس كريم...لذيذ بطعم الشكولاته.

 

لو أنّ الله أهداني بعضَ الوقت لأعيشهُ كنتُ سأرتدي...البسيط من الثياب، كنتُ سأتمدّد في الشمس...تاركَا جسدي مكشوفًا بل وروحي أيضًا... يا إلهي... لو أنّ لي قليلاً من الوقت لكنتُ كتبتُ بعضًا... منّي على الجليدِ وانتظرتُ شروقَ الشمس.

 

كنتُ سأرسمُ على النّجوم قصيدة"بنيدتي" وأحلام"فان كوخ"...كنتُ سأنشدُ أغنية من أغاني"سرات"...أهديهَا للقمر لرويت الزّهر بدمعي، كي..

 

أشعر بألم أشواكه، وبقبلات أوراقه...يا إلهي... إذا كان مقدّرًا لي أن أعيشَ وقتًا أطولَ، لمَا...تركتُ يومًا واحدًا يمرّ دونَ أن أقولَ للنّاس...إنّني أحبّهم، أحبّهم جميعًا، لما تركت...رجلاً واحدًا أو امرأة إلاّ وأقنعته أنّه...المفضلّ عندي.

 

كنتُ عشتُ عاشقًا للحبّ...كنتُ سأثبتُ لكّل البشر أنّهم مخطئون لو ظنّوا أنّهم...يتوقّفونَ عن الحبّ عندمَا يتقدّمونَ في السنّ... في حينِ أنّهم في الحقيقة لا يتقدّمونَ في السنّ.

 

إلاّ عندمَا يتوقّفونَ عن الحبّ... كنتُ سأمنحُ الطّفلَ الصّغيرَ أجنحةً وأتركهُ يتعلّمُ الطّيرانَ وحدهُ... كنتُ سأجعلُ المسنينَ يدركون أن تقدّم...العمر ليس هو الذي يجعلُنَا نموتُ بل :الموتُ...الحقيقيّ هو النّسيانُ.

 

كم من الأشياء تعلّمتهَا منك أيّهَا الإنسانُ، تعلّمت أنّنَا جميعًا نريدُ أن نعيشَ في قمّة الجبلٍ... دونَ أن ندركَ أنّ السّعادةَ الحقيقيّةَ تكمنُ...في تسلّق هذا الجبل، تعلّمتُ أنّهُ حينَ يفتحُ...الطّفلُ المولودُ كفّهُ لأوّل مرّة تظلّ كفّ والده...تعانقُ كفّهُ إلى الأبد.

 

تعلّمتُ أنّهُ ليسَ...من حقّ الإنسان أن ينظُرَ إلى الآخر، من أعلَى...إلى أسفل، إلاّ إذا كانَ يساعدهُ على النّهوض...تعلّمتُ منكَ هذه الأشياء الكثيرة، لكنّهَا...للأسف لن تفيدني لأنّي عندمَا تعلّمتُهَا كنتُ أحتضرُ... عبرَ عمّا تشعر به دائمًا.

 

افعل ما تفكّر فيه ...لوكنتَ...أعرفُ أنّ هذه ستكونُ المرّة الأخيرةُ التي...أراكَ فيهَا نائمًا، لكنتُ احتضنتُكَ بقوّة... ولطلبتُ منَ الله أن يجعلني حارسًا لروحكَ...لو كنتُ أعرفُ... أنّ هذه المرّةَ الأخيرةَ التي أراكَ فيهَا.

 

تخرجُ من الباب لكنتُ احتضنتكَ، وقبّلتك، ثمّ...كنتُ أناديكَ لكيْ أحتضنكَ وأقبّلُكَ مرّةً أُخرى... لوكنتُ أعرفُ أنّ هذه هيَ مرّة أسمعُ فيهَا صوتكَ لكنتُ... سجّلتُ كلّ كلمة من كلماتك لكيْ أعيدَ سماعهَا... إلى الأبد.

 

لو كنتُ أعرفُ هذه هي آخر اللّحظات التي أراكَ فيهَ لقلتُ... لك إنّني أحبّك دونَ أن أفترضَ بغباء أنّكَ/ تعرفُ هذَا فعلا...الغدُ يأتي دائمًا، والحياةُ تعطينَا فرصة لكي نفعل...الأشياء بطريقة أفضل...لو كنتُ مخطئًا وكانَ اليومُ هو فرصتي الأخيرة فإنّني...

 

أقولُ كم أحبّكم، ولن أنساكم أبدًا . ما من...أحد، شابًا كانَ أو مسنًّا، واثق من مجيء... الغد، لذلك لا أقل من أن تتحرّكَ، لأنّهُ إذا لم يأت الغدُ... فإنّكَ بلا شكّ... سوفَ تندمُ كثيرًا على اليـومٍ الذي كانَ... لديكَ فيهِ متّسع كي تقولَ أحبّك، لن تبتسمَ لأن...تأخذَ حضنًا أو قبلةً أو تحقّقَ رغبةً أخيرة... لمنْ تحبّ".

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.