تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المهندس الفرنسي جاك مونتلاكون ينقذ كنوزاً دمشقية

مصدر الصورة
sns - رويترز

 

محطة أخبار سورية

حين اشترى المهندس الفرنسي جاك مونتلاكون أحد المنازل الشهيرة التي يرجع تاريخ بنائها إلى عدة قرون مضت بدمشق القديمة قبل ستة أعوام لم تكن لديه أي فكرة عن أنه يحتوي على معجزة معمارية.

 

لكن مونتلاكون الذي اشتهر بترميم مشغولات يدوية من السفينة الغارقة (تايتانيك) وساعد في انقاذ سلع من سفينة بحرية غارقة ترجع إلى عهد نابليون بارع في اكتشاف ما هو غير متوقع.

 

وقال وهو يشير إلى رسم دقيق بين الخشب المنحوت "كنت أزيل الورنيش السميك الذي يغطي الحوائط المكسوة بالخشب في الايوان (حجرة الاستقبال) حين بدأت صور طيور غريبة ووحوش وقلاع تظهر.

 

"يرجع تاريخ الرسوم إلى عام 1789 وهو عام قيام الثورة الفرنسية. لكن من يدري الوقت الذي استغرقه انتقال الأخبار من باريس إلى سورية."

 

طير أسود خيالي يجر زورقا. رجل يصوب بندقيته من على سطح قلعة تطل على بحر ووحوش تحلق فوق الماء. يشبه السقف الخشبي سجادة عجمية ذات رسوم متداخلة.

 

وقال مونتلاكون الذي جاء إلى سورية للمرة الاولى عام 1965 في سيارة فرنسية صغيرة وعمل في منطقة الشرق الاوسط لاكثر من 30 عاما مع شركة اليكتريسيتيه دو فرانس "انها رواية لكن لم يستطع أحد تفسيرها بعد."

 

ويطل سطح المنزل الصغير الذي توجد به نافورة أنيقة على المسجد الاموي ويعتبر المنزل أحد أسرار دمشق القديمة، ويعتقد مونتلاكون أنه يرجع إلى منتصف القرن الثامن عشر.

 

وتستقطب المدينة التي كانت محاطة بالاسوار ذات يوم والتي تصنفها الامم المتحدة ضمن مواقع التراث العالمي السائحين بأعداد متزايدة بعد ان خففت سورية التي يحكمها حزب البعث منذ عام 1963 من القيود على دخول البلاد ورفعت الحظر على المشاريع الخاصة.

 

والخشب المنحوت والحجر والاسقف العالية هي مؤشرات على المكانة الاجتماعية في المنازل الدمشقية التي شملت الرسوم أيضا حين زاد التفاعل بين المدينة العالمية واوروبا والفنانين الغربيين وزار المغامرون سورية في القرن التاسع عشر.

 

وعلى الرغم أن المنازل التي نجت من الاهمال والدمار في دمشق الحديثة بها رسوم لمبان ومناظر طبيعية فان الرسوم المستوحاة من الاساطير في منزل مونتلاكون فريدة من نوعها.

 

واستخدم المهندس الفرنسي بمساعدة صديق له براعم القطن المغمورة في مذيبات وألوان مائية بسيطة لترميم الحجرة. وذكر ان العملية استغرقت ستة أشهر وقال انها تستهلك وقتا لكنها ليست صعبة.

 

وقال مونتلاكون الذي رمم مشغولات يدوية من السفينة تايتانيك باستخدام تقنيات التحليل الكهربائي وساعد في انقاذ أشياء من السفينة لو باتريوت وهي سفينة تجارية من أسطول نابليون غرقت قبالة مصر "أهم مبدأ في الترميم هو ان يكون قابلا للتغيير اذا اكتشف طريقة أفضل."

 

وراء القرميد البسيط الذي يرجع إلى القرن العشرين اكتشف مونتلاكون ايضا حوائط من الحجر المنحوت عليها رسوم عربية تشبه الفسيفساء (الموزيك) وهو فن كان المماليك الذين حكموا دمشق من أول من استخدموه.

 

واشتهر الحرفيون السوريون ببراعتهم في نحت الحجر بسهولة من يقص الورق. وازدهروا في عهد الحكم العثماني من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين وأدخلوا تأثيرات فارسية وغربية مثل الباروك في أعمالهم.

 

وقال مونتلاكون "أراد أصحاب المنزل على الارجح اخفاء مدى ثراء ممتلكاتهم عن جامع الضرائب او ببساطة تغيرت الاذواق."

 

وأضفى مونتلاكون لمسته الخاصة على المنزل وزينه بقطع أثاث دمشقية قديمة مطعمة بالصدف (ارابيسك) من "سوق الحرامية" القريب.

 

ولدى مروره إلى جوار كومة من الانقاض ألقاها عمال في منزل قريب ذات مرة عثر على بلاطات اسلامية قيمة باللونين الابيض والازرق. وهي تزين الان أحد جدران منزله.

 

وكان (بيت جاك) جزءا من منزل أرستقراطي مجاور اشترته نورا جنبلاط الزوجة السورية للزعيم السياسي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط قائد فصيل سابق ابان الحرب الاهلية اللبنانية الذي كانت علاقاته بسورية متوترة.

 

وتم ترميم منزل نورا بشكل جيد لكن الكثير من العقارات التي تم تحويلها إلى مطاعم وفنادق في المدينة القديمة رممت بطريقة يقول خبراء انها ربما تكون ألحقت أضرارا يتعذر اصلاحها.

 

وقام الفنانون الذين انتقلوا إلى الحي اليهودي القديم بعمل أفضل في الحفاظ على الاعمال الاصلية.

 

ويتذكر مونتلاكون حين جاء إلى دمشق لدراسة اللغة العربية قبل عشر سنوات وأراد اكتشاف أسرار المنازل الارستقراطية القديمة التي تخفي واجهاتها البسيطة من الحجر والطين اللبني الروعة والصفاء بداخلها.

 

ودفع الاهمال مونتلاكون وهو في الستينات من عمره إلى محاولة انقاذ جانب اكبر من المدينة القديمة. وهو يعتزم تحويل منزل اخر انتهى من ترميمه إلى مركز للحفاظ على الحرف والتقنيات التراثية.

 

وكان المنزل المكسوة أسقفه بالمرايا مملوكا للامير البدوي السوري طراد الملحم الذي عاش هناك في أوائل القرن العشرين. وقد بني على الارجح على أنقاض قصر أموي.

 

ويقول مونتلاكون ان التطور الحديث والتلوث مصدرا تهديد رئيسيان للحفاظ على ارث سورية،

وأضاف "لا شك أن تراث سورية هو واحد من الاكثر ثراء وتنوعا... انه قائم على عناصر فنية دقيقة يمكن أن تتغير بلا رجعة في أفضل الاحوال أو تختفي في أسوأ الاحوال".

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.