تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

متى تحقق الرواية العربية وجودها كنص مبدع؟

محطة أخبار سورية

إن الذي ينتج النص الروائي هو المثقف حتماً، الأكثر تطوراً من الناحية العقلية والأكثر قدرة على فهم الصيرورة الاجتماعية في غناها.

وليس في جمودها الوهمي خصوصاً إذا علمنا أن النص الروائي هو نص عقلاني ولا يمكنه أن يكون غير ذلك، لأن ظهور الرواية كجنس مرتبط وبشكل لا يدع مجالاً للشك بتقدّم العقلانية وصعود لغة النثر وتراجع اللغة القاموسية والبلاغة الجامدة وتقدّم النزعة الإنسانية المدافعة عن تحرير الإنسان وتحرير الخيال. ‏

شروط التحقق ‏

إذاً متى تحقق الرواية العربية شرط وجودها كنص مبدع وكجنس أدنى داخل سوق عربية تحاربها في شرط وجودها هذا بشكل مباشر أو غير مباشر؟ هل يمكن أن تخضع الرواية قبل أن تنتقل إلى قانون العرض والطلب في عملية تسليع الثقافة؟ هل هي سلعة بالمعنى الدقيق؟ أي إنها أصبحت كذلك من خلال السوق لأن عملية الاستهلاك تمر من هنا، خصوصاً في الوطن العربي حيث لا ينمو الإنتاج الثقافي بشكل صحي فهي، أي الرواية تحاول تحقيق شرط وجودها داخل كتلة من القوانين المتخلفة التي تحجّم دورها. ‏

فالرواية تنتج من أجل أن تستهلك وتتحول إلى فاعلية بالمعنى الإيجاب أو السلب وهذه العملية ذاتها لا يمكنها أن تمرّ بشكل اعتباطي، فهي خاضعة لمجموعة من القوانين محدودة المعالم وإن كنا لا نلمسها (من حيث حركتها) بسهولة، فقبل أن يصل العمل الروائي إلى يدي المتلقي يمرّ عن طريق سوق ثقافية لاتزال محكومة بها حسب التخلف العام الذي يحاول أن يضع الرواية موضع سلعة ويأتي السؤال المباشر، فارضاً نفسه بقوة، هل يمكن أن تخضع الرواية لقانون العرض والطلب؟ هل هي سلعة كغيرها من السلع الأخرى؟ هذا بدوره يفضي إلى سؤال آخر: ما الذي يتحكّم في أنفاس السوق؟ ‏

أسرار المعادلة ‏

عندما نحدد البضاعة الروائية ونحدد سمة سوقها نكتشف أسرار المعادلة الثقافية في الوطن العربي ونصل إلى الإجابة عن السؤال المستعصي: لماذا تقع الرواية بوصفها مشروعاً ثقافياً عربياً جديداً في أدنى مستويات الاهتمام بالنسبة للمؤسسة الثقافية العربية؟ إن المؤسسة الثقافية في الوطن العربي مؤسسة متخلفة جداً لا تستطيع أن تحدد معالم مشروعها الثقافي المقدّم للاستهلاك الوطني وغياب هذا المشروع لا يعني الجهل فقط ولكن يعني كذلك إمكانية إنتاج القوة البديلة للثقافة لمحاربة الثقافة، وهي تستعملها المؤسسة العربية للحدّ من تأثير الثقافة المضادة لها على المستوى الشعبي بحكم عجزها عن الإنتاج. وفي محاولتها هذه لتعليب الإنتاج الثقافي (والرواية من ضمنه) توجّه المؤسسة الثقافية العربية جزءاً كبيراً من اهتماماتها إلى الروائي ذاته في محاولة لاستهوائه وإدخاله لعبة التسليع بحيث يصبح هو ذاته سلعة: وليس عمله فقط، وحين نقول تسليع الكتاب، نعني بذلك وصول المؤسسة الثقافية الرسمية إلى فرض أيديولوجيتها على الكاتب ليتحوّل هو إلى معبر عن مشروعها (المفقود) ومروج لأحلامها، والروائي بهذه العملية يشارك في عملية التزييف المنظمة بخلقة ثقافية روائية تستهلك بسرعة ومن دون أي تعب وضمن شروط تأثيرية مثالية من خلال دغدغة الأوهام التي تنام داخل الذاكرة وعملية تسليع الروائي تمرّ عبر قناتين: ‏

الأولى: قناة مباشرة وهي فرض شروط مغلوطة للكتابة يجد الروائي نفسه داخلها فلا يستطيع كتابة شيء يصل السوق، إلا من خلالها، يقوم بذلك حفاظاً على وجوده البيولوجي (وهذا تسويغ لتبرير هزيمته) وقد تأتي العملية بشكل قمعي تفرض على الروائي كتابة لا تخرج عن المشروع الذي تروّج له المؤسسة الثقافية القائمة. ‏

والثانية: وهي قناة غير مباشرة حيث ينمو داخل ذهنية الروائي وعي مسلع، فينجز هذا الأخير نصاً لا يخرج أبداً عن مقتضيات السوق (هذه التي تروّج للخلاعة والكذب والوعي المزيّف) ‏

والغرض النهائي في كل الأحوال يتلخص في تحقيق ربح وافر وهذا الربح إما أن يكون مادياً مبتذلاً مباشراً أو أن يكون سياسياً وإما أن يكون ربح الإنسان بوصفه (أثمن رأسمال) فلا يمكن لذلك أن يتم إلا عندما يصبح الفعل الثقافي جماهيرياً، واستهلاكه جماهيرياً من خلال سوق تحرّر الأدب ولا تسلعه بالمعنى الرأسمالي. بهذا المعنى تصبح السمة الغالبة للسوق العربية هي سمة غير صحيحة في غياب المؤسسة الثقافية الديمقراطية، وتسليع الرواية لن يكون في مؤداه إلا من أجل تسويق الكذب والأوهام والمسلمات بوصفها أوضاعاً منتهية، وتبقى الحقيقة مختبئة وراء الأيدي التي تحرّك السوق، في المحصلة تخسر الرواية الكثير من شروط وجودها حين تسيطر عليها حالة الاغتراب هذه التي تفرضها سوق متخلفة لا تستطيع أن تفهم وبشكل أكثر ديمقراطية. ‏

الرواية السلعة ‏

وهذا ما يدفع بنا إلى التساؤل المشروع: هل تقبل السوق العربية بالرواية كسلعة، في ظل شروط الوعي الحاضر وفي ظل شروط تضع المؤسسة الثقافية موضع اتهام؟ إن عملية التسليع وهذا كتحصيل حاصل في العملية تفرض وجود سوق ثقافية متبلورة، بوجود ساحة ثقافية تتعامل مع النص الروائي تعاملاً حضارياً واعياً أي إن الرواية في الوطن العربي من الصعب أن تصبح سلعة إلا عندما تصبح حقيقة اجتماعية، وهل أصبح النص الروائي حقيقة اجتماعية؟. ‏

يبدو أنه مازال يناضل من أجل فرض نفسه بقوة خصوصاً في هذه الفترة التي يُعاد فيها طرح المسألة التي كان يجب أن تطرح منذ أكثر من قرن: ما هي الأداة الفاعلة من أجل تحرير العقل العربي؟. ‏

والرواية من حيث هي مساحة واسعة للبوح يمكنها أن تشكل هذه الأداة، ولكنها بكل تأكيد ليست الأداة الوحيدة لخوض غمار تجربة تحرير العقل العربي، وتحاول المؤسسة الثقافية في الوطن العربي في عمومها أن تقف ضد هذا المشروع الذي ترفعه الرواية في محاولة منها لخلق بديل آخر وهذا البديل لا تنتجه هي، ولكنها تستورده جاهزاً من خلال الأسواق الرأسمالية التي تنتج الكتاب والفيلم والأشكال السمعية والبصرية الأخرى، فالرداءة التي تسود ثقافتنا سببها السوق ذاتها التي تفضل الرداءة من أجل تسويقها بسهولة ولكن تضعها في وجه الثقافة الديمقراطية لمحاربتها، لأن تحديد النقاط التي يمرّ عبرها النص الروائي العربي يوضح على حدّ بعيد الصعوبات الكبرى التي تقف في وجه حركة الثقافة العقلانية والوطنية. ‏

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.