تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مدينة دورا أوروبوس السورية.. أجمل متنزه أثري لعام 2010

 

 

 

   

   

حصلت مدينة دورا أوروبوس التاريخية الأثرية في سورية، التي تعرف اليوم بـ«صالحية الفرات»، وتقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات في محافظة دير الزور، مؤخرا، على «جائزة كارلو سكاريا الدولية للمتنزهات الأثرية». ولقد تسلمت مديرية الآثار السورية الجائزة، في حفل أقيم أخيرا في العاصمة الإيطالية، وفي دمشق.جاء في بيان لجنة تحكيم الجائزة أنها قررت، بالإجماع، تخصيص جائزة الدورة الحادية والعشرين 2010، إلى دورا أوروبوس، وعن أسباب منحها الجائزة، تقول لجنة التحكيم: «إنها تبدو شرفة مدهشة على ضفتي نهر الفرات، وملتقى خصوصيا في الجغرافيا، وفي تاريخ سورية عبر آلاف السنين. وقد جمعت عبر الزمن بصمات رفيعة وفريدة النوع لحضارات مختلفة».

وحول الجائزة الدولية وأهمية الموقع تاريخيا وسياحيا وأثريا، تحدث الدكتور بسام جاموس، مدير عام الآثار والمتاحف السورية لـ«الشرق الأوسط»، فشرح قائلا: «في كل عام هناك لجنة متخصصة من مؤسسة (بينيتون) الإيطالية الدولية تقوم بجولات ميدانية على المواقع الأثرية ذات الأهمية الاستثنائية في العالم، وفي دورتها الواحدة والعشرين أرسلت مجموعة من المتخصصين إلى أكثر من ستين موقعا تاريخيا في العالم. وكان السبب الرئيسي في اختيار المتخصصين في الفترات الهلينستية والكلاسيكية، بالإضافة إلى المتخصصين في التاريخ الطبيعي وغيره من الاختصاصات، موقع دورا أوروبوس، النجاح الكبير بفوزها بـ(جائزة كارلو سكاريا) الدولية، التي تمنحها مؤسسة (بينيتون) الثقافية في كل عام لموقع واحد. وفي عام 2010 فاز هذا الموقع السوري الشهير، نظرا لأهميته المعمارية والتاريخية والثقافية ومعطياته الأثرية، التي شملت جميع نواحي الحياة، التي سبق أن ذكرتها، إلى جانب المشهد الطبيعي والموقع الجغرافي على ضفاف نهر الفرات، الذي استمرت فيه الحياة منذ آلاف السنين. لذلك اجتمع المتخصصون في إيطاليا، وقرروا منح موقع دورا أوروبوس الجائزة لهذا العام».

وتابع جاموس: «أقيم احتفال كبير في إيطاليا بهذه المناسبة، حضره أكثر من ألف شخص، ثم رافق هذا الاحتفال معرض كبير عن موقع دورا أوروبوس، بدءا من 3200 قبل الميلاد، وحتى نهاية الفترة الكلاسيكية، كما ألقيت مجموعة من المحاضرات عن الموقع من قِبل المنقّبين في هذا الموقع. وهذه الجائزة لها بالطبع إيجابيات كثيرة، من بينها أنها ستسهم في تسجيل الموقع مستقبلا على لائحة التراث العالمي، لتمتعه بخصائص كثيرة، ولضمه عددا من القصور والمعابد التي تدل على عبقرية الفنان السوري، الذي بدأ في العمارة منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد، وحتى الفترة العربية الإسلامية، وأعطانا نمطا محليا سوريا في العمارة بشهادة المختصين». وأردف: «وهناك نقطة ثانية تؤكد على أهمية مدينة دورا أوروبوس هي اللقى الأثرية فيها، كالكتابات والزخارف الهندسية.. ونقطة ثالثة هي موقعها الجغرافي على نهر الفرات، حيث عاشت مجتمعات الوسط السوري والجزيرة السورية. كل هذه الاعتبارات ستسهم أيضا في زيادة عدد السياح والزوار للموقع، حتى إن الصحافة الإيطالية كتبت أكثر من 150 إعلانا عن فوز الموقع بالجائزة، ونشرت مجموعة من الكتيبات والمجلدات عنه، وهي موجودة في معظم المراكز العلمية العالمية والجامعات العالمية الشهيرة. وكانت مديريتنا قد أنجزت في دورا أوروبوس متحف (البيت الروماني)، ولوحات دلالة، وقسما للباحثين لمتابعة الدراسات حول الأثريات في الموقع، وخاصة الفخارية منها والكتابية أيضا.. وقد تحول هذا الموقع إلى متحف في الهواء الطلق، بإشراف متخصصين سوريين وفرنسيين».

الجدير بالذكر، أن القاعة الشامية في متحف دمشق الوطني، احتضنت أخيرا عرضا للجائزة، ليشاهدها الجمهور والمهتمون، وكذلك تشهد إحدى قاعات المتحف الأرضية عرضا للقى الأثرية من تماثيل وفخاريات ولوحات كتابية، التي اكتشفت في موقع دورا أوروبوس، الذي يعود للعام 260 ق.م، حيث تعمل بعثات أثرية على التنقيب. وخلال عمليات التنقيب اكتشف 16 معبدا دينيا حتى الآن.. وكذلك أجزاء من قلعة دورا أوروبوس، وعدد من الحمامات، والقصور، والبيوت السكنية، والبيوت الرومانية القديمة، والمدافن البرجية خارج أسوار القلعة.

إن دورا أوروبوس - حسب المؤرخين - هي مدينة الصالحية التاريخية، الجاثمة فوق هضبة صخرية تشرف على مجرى نهر الفرات، بارتفاع نحو 50 مترا. وتحيط بها الأودية العميقة من ثلاث جهات (الشرق والشمال والجنوب)، أما الجانب الغربي المتصل ببادية الشام، فهو محصن بسور دفاعي منيع. وتعود هذه المدينة إلى العصر الهلينستي، إذ بناها سلوقس نيكاتور عام 300 ق.م. تقريبا، وسماها أوروبوس على اسم المدينة التي ولد فيها في مقدونيا. ولقد شيدت المدينة وفق مخطط المدن اليونانية، على شكل رقعة شطرنج، حيث تتقاطع الشوارع بزوايا قائمة. يحيط بالمدينة سور خارجي مدعم بسور داخلي، ويتلاقى السوران عند الأبراج مربعة الشكل. وكان للمدينة ثلاثة أبواب، أشهرها باب تدمر الواقع في السور الغربي.

لقد عاشت مدينة دورا أوروبوس مدة تزيد على خمسة قرون ونصف القرن منذ تاريخ إنشائها، وحتى سقوطها وتدميرها على أيدي الفرس الساسانيين عام 256م، تخللتها فترات قوة وازدهار، وكذلك فترات ضعف وانحطاط. وسميت لاحقا «الصالحية» نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، الذي أعجب بها، وأقام فيها، على الرغم مما كان فيها من الخراب والتدمير. والمثير أنها اكتُشفت بطريق الصدفة عام 1920، وبوشر التنقيب الأثري فيها من عام 1928 إلى 1937، على يد بعثة فرنسية، ثم أخرى فرنسية - أميركية مشتركة. وأنهت البعثة الفرنسية الأخيرة في الموقع المذكور أعمال الإظهار والترميم والحماية في الموقع، بجانب إعادة بناء واجهة قصر القائد، وكذلك الأقسام المنهارة في تحصينات المدينة، وبشكل أساسي باب تدمر، ومبنى القلعة، والمسرح، والبيت الروماني، والمعبد التدمري.

 

                                                                                                               هشام عدره

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.