تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غادة السمان.. كيف عشت موتي..

محطة أخبار سورية

قبل بضعة عقود من الزمن كان المقال الأدبي يثير نقاشاً واسعاً بين المبدعين، مابين معارض ومؤيد، ومن يتصفح المقالات التي كانت تنشرها المجلات المشهورة يقع على الكثير من هذه النقاشات بعضها أثار ردود أفعال متباينة وطرح قضايا للنقاش صالحة لأن يعاد طرحها من جديد.‏

 

الأديبة والروائية السورية غادة السمان كتبت في مجلة الهلال المصرية عدد حزيران عام 1977 قائلة: طالعت في العدد الماضي من الهلال مقال أستاذنا الكبير فكري أباظة »كيف عشت حياتي« أمد الله من عمره (أنئذ) وفي عمر أمثاله من فنانينا وكتابنا الذين يمثلون الخميرة النادرة لخبز عطاء الأجيال اللاحقة..‏

 

وقرأت نصيحته الثمينة لنا بالاعتدال في الطعام والشراب وفي تعاطي الهموم، لكنني أيضاً فكرت بحزن: إن هذا السؤال لايمكن طرحه -للأسف- إلا على الأحياء المعمرين، ولكن ماذا لو استطعنا طرحه على أحد المبدعين الذين ماتوا مبكراً وهم في أوج عطائهم وما أكثرهم في عالمنا العربي.‏

 

وتدفقت في قلبي صور عشرات من المبدعين العرب الذين قضوا في شرخ شبابهم الفني.. إن أحداً لم يسألهم لماذا مت مبكراً، من قتلك وكيف عشت موتك؟، عشرات من الذين لم تتح لهم الفرصة للاعتدال في الطعام والشراب والهم لأنهم ربما قضوا جوعاً وعطشاً بعد وجبة من الهم لا اعتدال فيها.‏

 

أتخيل أنني أحاور أحدهم بعد أن أخرجته من قبره.‏. لاتسألوني من بالضبط، ليستحضر كل منكم في ذاكرته اسم فنان عربي مات في ذروة شبابه الجسدي والفني.‏

 

وما أكثرهم في كل قطر (لن أعد الأسماء لأن المقصود من هذا البوح ليس التشهير ببعض مجتمعاتنا التي تهدر مبدعيها وإنما التحريض على حفظ ماتبقى منهم أحياء، ومن سيولد منهم فيما بعد).‏

 

سيخرج إليّ الفنان الذي تخيلت أنني أحاوره، من قبره وسيحدثني كيف عاش موته، كيف مات عشرات المرات خلال حياته، سيحدثني عن ظاهرة إهمال العرب بصوره عامة لمبدعيهم أحياء وحرصهم على تكريمهم أمواتاً.‏

 

سيروي لي حكاية موته الأول وموته الثاني وموته الثالث وموته الرابع وقيا// كل مرة من رماده، ثم سيروي لي حكاية موته الأخير حين انفجر بطريقة ما: مريضاً أو منتحراً أومقتولاً.‏

 

أفكر أيضاً بمئات الموهوبين العرب الذين لم تتح لهم الفرص ليخبرونا »كيف عاشوا حياتهم« لأنهم وببساطة لم يعيشوا حياتهم لم يولدوا!.‏

 

أجهضت موهبتهم قبل أن تولد تمّ اغتيالها في ظلام اللامبالاة والهدر أو تحت أضواء الجري وراء العيش بسلام النباتات اسألوا الأديب العربي كيف عاش حياته، ولكن اسألوه أيضاً: كيف عاش موته.‏

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.