تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مظفر النواب الآن في دمشق

 

محطة أخبار سورية

مظفر النواب.. الرجل الشجاع، المقدام، العنيد، المحارب، الملاحَق، الهارب عن طريق الأهواز باتجاه موسكو، المقبوض عليه من قبل مخابرات (سافاك) الشاه البهلوي، المُسَلَّم إلى مخابرات العراق، المحكوم عليه بعدها بالإعدام، المخفف حكمه إلى المؤبد، المسجون في نقرة السلمان عند الحدود العراقية السعودية، المنقول (المُسَرْكَل) إلى سجن الحلة، الحافر نفقاً في الأرض تحت سجن الحلة، ثم الهارب ورفاقه من السجن إلى الأهوار ليعيش سنة مع الفلاحين، ثم الهارب مرة أخرى، الهائم على وجهه في عواصم العرب والعالم.. المستقر أخيراً في دمشق..

 

جاب مظفر النواب عواصم العالم كلها.. ولكنه كان يعود، في كل مرة إلى دمشق.

 

مظفر النواب اليوم في دمشق..

 

ولكنه الآن.. شيخ كبير (76 سنة)، مريض، متعب، وحيد.. 

 

مظفر النواب، الشاعر المبدع، ذو النفس الثائرة، الكبيرة، المحلقة في الأعالي، يعجب من الركون، ويكره الاستكانة، ويمقت اللطف المصطنع، ويمج الكياسة المدربة، ويغضب من الدبلوماسية المخاتلة، لذلك فقد خرج عن طوره، حينما رأى القدس تُذبح وتُستباح من قبل زناة الليل، وشرع يسبّ الراكنين، المستكينين، المراوغين، اللطيفين، الكيّسين، المخاتلين، بالشعر..

 

ولأن أبناء الأمة العربية محتقنون بالغضب، مثل مظفر النواب (وحبة مسك)، فقد هرعوا إلى قصائده العامرة بالسباب، سجلوها على كاسيتات، ونقلوها إلى دفاترهم، وحفظوها في بيوتهم، ثم تذاكروها في سهراتهم، حتى صار مظفر النواب رمزاً للغضب، ورمزاً للجرأة، ورمزاً للمتضامنين مع فلسطين والقدس، وقضية الشعب العربي المقهور.

 

قال قائل، فيما بعد: ولكن ما قاله في القدس ليس بشعر!

 

أجل يا سيدي، إنه ليس بشعر، وأهميته لم تأت من كونه شعراً، بل إنها أتت من كونه غضباً عارماً قد صيغ على منوال الشعر لكي يسهل حفظه وتداوله..

 

ولكن مظفر النواب، في الحقيقة، شاعر، عفواً، بل إنه شاعر كبير.

 

يقول عن دمشق:

 

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شـــرود القصيدة، ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏. من على شرفتها، أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة: "أنى تهطلي خيرُك لي".. بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليُدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏

 

إنها دمشق التي تحملت الجميع، متقاعسين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مُدمني عضها، مُقلمي أظفارها، وخائبين وملوثين، طهرانيين، وشهوانيين....

 

وفي سهرة عامرة بالحب والجمال يرتجل النواب:

 

                              الله يا بنفسجاً كتومْ

 

                                                   من لامني على الهوى ملومْ

 

                              أميرُ هذا الليل في دمشق

 

                                                   نهدٌ أمويٌّ ظالـــــمٌ مظلـــــوم

 

                              مسحتُه في خدودي فاستفاقت

 

                                                   في أمانه مــــــواسـم الكرومْ

 

                              وحينما نبّهته قام إلي نائماً

 

                                                    يا حـــــــيُّ يا قيــــــــوم

 

دعونا نبقَ بعيدين عن لغة الميلودراما التي تدغدغ العواطف السطحية في الإنسان.. ولنتحدث بلغة الحقائق وحدها.

 

إن من أكثر الحقائق سطوعاً، وأقلها دغدغة للعواطف، هي أن الشعب السوري يحب الشعب العراقي حباً لا مثيل له.

 

حينما يريد السوري أن يقرأ الشعر فإنه يسارع إلى استحضار دواوين السيّاب والبياتي وسعدي يوسف ومظفر النواب.. وحينما يريد أن يغني أو يطرب سرعان ما يأتي بأسطوانات ناظم الغزالي وإياس خضر ورياض أحمد وسعدون جابر وكوكب حمزة، والشباب السوري اليوم لا يرضى بديلاً عن كاظم الساهر.

 

من أجمل ما كتب مظفر النواب في الشعر الغنائي المحكي:

 

شفافك، ولا قولُن ورد

 

جورية معقودة عقد

 

لا هي دفا، ولا هي برد

 

وأنا بوسطها رايح أجن

 

حن، وأنا حن

 

(مناسبة هذه الكتابة: أخبرني صديقي حسين راغب أنه زار مظفر النواب في بيته بدمشق، قبل أيام، فوجده مريضاً، ووحيداً..)

 

لا.. مظفر النواب.. لا يمكن أن يبقى وحيداً.. في دمشق.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.