محطة أخبار سورية
لم يتوان الفنان مصطفى علي قبل مايقدمه اليوم عن الكشف عما يختبئ في الوجه، كذلك عن الطاقات الكامنة في جزيئات الخشب وجزئياته، فعهدناه مبحراً في هذه المادة يقدم من خلالها مواضيع مؤثرة، حيث أحبها وخبرها، كذلك تمرس على استنباط المكنونات البشرية عبر الجسد المنحوت وكذلك الرأس أو الوجه، فقدم العديد من الأعمال الفنية النحتية الملفتة بجدارة، منها ماهو مشغول بالخشب إلى جانب غيرها من خامات، وتفرد هنا فيما يخص التقانة والشكل، ومنها مايرسل دلالاته كحوامل لغوية بصرية
للمضامين التي يكشف عنها الوجه برقة أو اشتعال إلى جانب الصياغات الجسدية المتنوعة الأخرى، فأبدع في اصطياد الموضوع، وما كان من فكره وموهبته وحنكته إلا أن قدم العمل الفني المتألق بوجهيه المذكورين لنتحسس المعنى من خلال المبنى بجمالياته المتعددة.
إلا أن اليوم مختلف لدى الفنان مصطفى علي، ففي تجربته الحالية نحن أمام حالة أخرى ملفتة وبالطبع لاتنفصل عن سابقاتها، فهي تعبر بوضوح عن حال هذا الفنان المتجدد الذي يعيش حالات إبداعية مستمرة وتصاعدية.
يقدم عرضه الحالي تحت عنوان «المقصلة» من خلال مجموعة من الرؤوس الآدمية الواقعة تحت تأثيرات عنيفة من القسوة أفضت إلى الإحساس بها معالجته الفنية عبر العديد من المفردات التي يتم الاشتغال عليها بدءاً من التكوين وانتهاء بملمس السطوح مروراً بالخدوش والشروخ المغرورقة بألوان الدم.
بعض الرؤوس خرجت من مرجعيتها الجسدية فبدت عناصر فنية وموجودات جمالية لها كيانها وحضورها، فهي ربما شاهدة على عذابات وقهر أو هي في عداد الموتى فوجدت مكانها على قواعد خشبية من خلال حضور فني آسر ضمن تحوير مقتضب لا يذهب بعيداً عن الشكل البيضاوي المنزوع من دائرة لتأتي تفاصيله منسجمة فيما بينها في هذا الحضور المؤثر، والبعض منها نزعت من جسدها في طقس ملحمي بألوان الموت فوجدنا تأثيرات عنيفة وحادة على جانبي أحد الوجوه في منتهاه وطريقه إلى الزوال، فسيلتقي على جانبه الآخر.
إلى جانب أحد الرؤوس المقطوعة آلة قتل بدلالات قاسية وإحالات مفتوحة من خلال عمل فني معاصر تكمن جمالياته في وخزة للمشاعر.
إن الأعمال في معظمها حاملة لمزيد من الجماليات والقيم الفنية والتأثيرات البصرية المتماهية في الآثار النفسية المؤلمة والتي تعبر بواقعية عن حقائق تلتصق بعالمنا المعاصر.