تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الغناء عند العرب.. بين الشعر والحداء

محطة أخبار سورية

غرقت مجتمعاتنا العربية مؤخراً في موجات غناء باهتة الإيقاعات المؤثرة في كيانات الإنسان شحيحة المعاني المضمخة بجميل الكلام والعبارات الوطنية أو العاطفية والوجدانية ثم ارتدت أثواب الإيحاءات الوهمية بأن ما تعرضه علينا هو ملامح فنية وثورة إبداعية وذلك منذ أن ارتحلت إلى فوضى الصورة المتلفزة في معظم الحالات في محاولة محاكاة الدول الغربية حيث يرى متابع الأغاني المعاصرة الفيديو كليب نفسه حيال ظاهرة جديدة تجعله ينسى حكاية الطرب الحقيقي.

والسؤال المهم هنا هو: هل هذا الغناء المعاصر المستند إلى أكتاف الصورة و المكحل بالألوان الباهرة والحركات المرهقة هو مرآة الغناء العربي الذي عاشت الأجيال السابقة عليه طويلاً وقد أمتعوا أرواحهم بأحلى الأنغام وأطربوا مسامعهم بأجمل الكلمات وفكوا غربة قلوبهم وعواطفهم بالانصهار مع الآه ويا ليل ومع أغنية هل رأى الحب سكارى لأم كلثوم وهي واقفة مثل هرم فني تلهب مشاعر السامعين بصوتها الجميل وكلمات كبار الشعراء وفي يدها منديل صغير بعيداً عن الهرج والمرج وخلط الحواس كلها في فيديو كليب عصري ضائج وموسيقا صاخبة والصوت الضائع والطرب ذاهل ومهاجر إلى التشتيت بما يدفع حتى الأندلس العتيدة من شواطئها البعيدة كي تنعي معنا موشحاتنا الأصيلة والحكاية طويلة.. ‏

وفي عودة إلى التاريخ العربي ومعرفة بدايات الغناء والطرب عند العرب فقد حدثنا جرجي زيدان صاحب الأعمال الكاملة في التاريخ عن هذا فقال: «إن الغناء طبيعي عند الأمم لأنه لغة النفوس وترجمان العواطف وكل أمة غناؤها يناسب طبائعها وعاداتها ولما كان العرب أهل ماشية وأنعام فلم يعرفوا من الفنون الجميلة إلا الشعر وكانوا يلهجون به ويطربون بإنشاده بلا ترنيم ولا غناء, بعدها ظهر فيهم الحداء وهو غناء يتغناه الحداة في سوق الإبل ثم عرفوا الترنيم وهذا جاء على نوعين من الغناء وهو ترنيم الشعر والتعبير وهو لغير الشعر, ومن ثم تنوع الغناء انطلاقاً من أجوائهم ليأخذ ثلاثة أوجه: ‏

1- النصب وهو غناء الفتيان -2- السناد هو اللحن الثقيل ذو الترجيع والكثير من النغمات-3- الهزج وهو الخفيف الذي يرقص عليه باستخدام الدف والمزمار, وقد اختلفت العرب بعد الإسلام حول الغناء فهناك من اعتبره مكروهاً وهناك من أجازه بحجة أن أصله من الشعر الذي لاقى استحسان النبي (ص) بفضل حسان بن ثابت الذي قيل له (.. والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غلس الظلام) أما من حرمه فقد رأى فيه أنه يسعر القلوب ويستفز العقول ويبعث إلى اللهو. ‏

هذا باختصار شديد ما قاله جرجي زيدان في الغناء عند العرب الذي كان مكروهاً ومحرماً بالمجمل, والذي لم يكن إلا شعراً جميلاً يترنم به مغنيه على نقر الدفوف والمزمار فكيف بنا اليوم ونحن نجعل من أي كلام وصوت ومن أي لحن ونغم «فيديو كليب» بعيداً عن الشعر والأصالة مغمساً بالتقليد والمحاكاة للآخر الذي لا يشبهنا والذي تقلصت فيه مساحة الكلمة البليغة والشفافة وسافر اللحن الشجي منه إلى حلبات الضجيج والصخب وكوكبة من صبايا حسان بأجمل الثياب ومظهر فتان يقتحمن الأغنية العربية اقتحاماً ليشكلن ستاراً سميكاً يحجب وراءه مفهوم الكلام الجميل والصوت الساحر والموسيقا الدافئة.. وهنا يبرز من لهفة أمانينا الصادقة سؤال كبير يجب أن نطرحه على أنفسنا وعلى أهل الاختصاص ليأخذه الجميع بعين الاعتبار وهو: إن كان لكل أمة هويتها الخاصة في أي مجال فأين هويتنا السورية في الغناء الأصيل ذي النغم الجميل والصوت الرخيم والكلام البليغ!! أنا أعرف أن هذا الموضوع قد طرح كثيراً ولكن هناك في أقاصي الدنيا حالات ردة إلى المعايير السليمة فهل فعلنا وعدنا إلى مناراتنا العربية نستظل بأنوارها اللؤلؤية ولو قليلاً!! ‏

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.