تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أنطوني كوين ومصطفى العقاد..ملامح المسيرة المتشابهة.. وتحقيق الحلم المعجزة

 

محطة أخبار سورية

 ثمة أكثر من سبب يجعل الحديث عن أنطوني كوين ومصطفى العقاد بين دفتي كتاب واحد، حالة يمكن أن تنتج صلات مشتركة بين هاتين الشخصيتين السينمائيتين اللتين ارتبطتا في ذاكرة المشاهد العربي بفيلمين خالدين، قدّما صوراً مشرقة من التاريخ العربي والإسلامي..

 

هذا ما يفتتح به الناقد محمد منصور كتابه (أنطوني كوين ومصطفى العقاد: الممثل الأسطورة والمخرج المسكون بالتاريخ) الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن سلسلة الفن السابع التي يرأس تحريرها الناقد محمد الأحمد.. ‏

 

مؤكداً بأن الملامح الأولى في حياة كل من أنطوني كوين ومصطفى العقاد قد تشابهت بالرغم من تباعد واختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية التي انطلقا منها.. ويقول الناقد منصور: لقد وحّد الفقر كليهما وقادهما في دروب البحث عن الذات ومقارعة قسوة الحياة ومرارتها، وحين توهج حلم السينما في المخيلة كان هذا الحلم ممتلئاً بالمستحيل إلى درجة لا تصدق، وإلى حدّ لا يمكن معه أن يتحقق يوماً إلا بمعجزة خارقة؛ لكن رغم ذلك كله... استطاع الاثنان أن يحققا تلك المعجزة، معجزة الإيمان بالحلم إلى درجة اختلاقه، والسعي -من نقطة الصفر- لجعله واقعاً منجزاً ومثالاً مثيراً للإعجاب.. ‏

 

معاناة وصعوبات

 

 

وهكذا... لم يكن الطريق إلى هوليود مشرعاً أمام تلك الخطا التي عشقت الفن السابع حتى امتلأت الروح بالإصرار، ولم تكن الموهبة التي لا تخطئها عين خبيرة هي جواز المرور الذي تحتاجه وكفى... فقد خسر أنطوني كوين أوّل أدواره السينمائية لأنه لم يكن يملك طقماً مناسباً للدور.. وكاد مصطفى العقاد أن يخسر فرصة دراسة السينما في أمريكا لأنه لم يكن يملك ثمن بطاقة الطائرة.. وكي يلبيا نداء الموهبة والحلم، كان عليهما أن يعملا في مهن عديدة من أجل أن يكملا المشوار.. ومن أجل أن يصلا إلى هوليود عبر ذلك الطريق الوعر، ويطرقا أبواب المجد الذي يلتمع بريقه في المخيّلة، ممزوجاً بالسهر والتعب والقلق والإصرار. ‏

رحلة العصامية النقية

 إن رحلة العصامية النقية التي ذللت الصعاب وقهرت ما بدا في لحظة من اللحظات أنه ضرب من ضروب المستحيل، بحسب الناقد منصور، امتزجت في سيرة أنطوني كوين ومصطفى العقاد بكثير من القيم الأخلاقية التي تستحق التأمل طويلاً... فالتواضع الإنساني عجن كل منهما بأصالة الحياة.. وحس الانتماء إلى الأهل والناس، جعل أنطوني كوين المكسيكي الأصل، يغامر ذات مرة بمستقبله المهني بعد أن أضحى ممثلاً مشهوراً، حين قرر جمع تبرعات لاستئناف حكم أمريكي جائر على اثنين وعشرين شاباً من مواطنيه اتهموا بارتكاب جريمة.. ونجحت مساعيه في إطلاقهم جميعاً، لكن ذلك لم يحل دون اتهامه بالمكارثية من قبل الأوساط الأمريكية المحافظة، وخصوصاً لدى انغماسه في الدفاع عن حقوق الطبقات العمالية لاحقاً... بينما انتمى مصطفى العقاد إلى أمته وتاريخه بطريقته الخاصة، فرفض أن يستبدل اسمه العربي بأي اسم آخر يمكن أن يحقق له هوية أخرى.. كما رفض أن يقدم ما يسيء إلى تاريخ أمته، وقضى سنوات طويلة وهو يسعى وراء تحقيق الفيلم الذي يروي رسالة الإسلام المتسامح ويبرز أخلاقياته العظيمة، ويرد على كثير مما قدمته هوليود من أفلام عنصرية مسيئة ألصقت أسوأ النعوت بالعرب والمسلمين! ‏

 

نقطة تحوّل ‏

 

ويشير منصور إلى أن أنطوني كوين التقى مع مصطفى العقاد في فيلمين عظيمين شكّلا نقطة تحوّل في مسيرة كليهما... فبعد (الرسالة) و(عمر المختار) اعترف أنطوني كوين أن العرب جددوا نجوميته التي كان قد خبا بريقها بعض الشيء في السبعينيات، وبالمقابل.. كان مصطفى العقاد المخرج العربي الوحيد الذي عمل كوين بإدارته، واستطاع العقاد أن يضيف لمشواره التمثيلي الحافل بالروائع، علامتين بارزتين يتوقف عندهما معظم دارسي سيرته والمهتمين بتراثه الثر والمتنوع... كما يؤكد منصور أن البحث في جوانب مسيرة هذين الشخصين السينمائيين يبدو اليوم جزءاً من صورة السينما التي نحب.. السينما التي تتعامل مع تاريخ (الآخرين) بنوع من الأصالة والإنصاف.. السينما التي تحتفي بالثقافات المختلفة، وتحترم كل الأعراق في وسط سينمائي هوليودي، طالما تعامل مع هذه (الأعراق) بقدر غير قليل من سوء الفهم وسوء النيّات.. فقد جسّد أنطوني كوين باحترام بالغ شخصيات مكسيكية وكاريبية وفرنسية وإيطالية ويونانية وعربية، وعكس بثراء مدهش بيئتها وثقافتها وجوهرها الإنساني، فيما نجح مصطفى العقاد في تقديم ما يعكس الروح العربية الأصيلة بلغة سينمائية عالمية، تركت بصمة لا تمحى في وجدان المشاهد العربي على الأقل. ‏

 

يقسم الناقد منصور كتابه إلى بابين كل منهما يتألف من عدد من الفصول، وفي الباب الأول يتحدث عن الممثل الأسطورة أنطوني كوين، وفي الباب الثاني يتحدث عن المخرج المسكون بالتاريخ مصطفى العقاد.. والجدير ذكره أن محمد منصور صحفي وناقد وكاتب ومعد برامج تلفزيونية أعدّ عدداً كبيراً من الندوات التوثيقية التحليلية والبرامج الوثائقية المهمة.. كما صدر له مجموعة كبيرة من الكتب، منها: في مجال النقد الفني، وأخرى في مجال الدراسات السياسية، وغيرها في مجال الدراما التلفزيونية السورية، وعدد من المجموعات القصصية القصيرة. ‏

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.