تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مازن صباغ وكتابه"البناء السوري وحدةالتنوع والتعدد"

المؤرخ السوري التوثيقي المعاصر

الدكتور مازن يوسف صباغ وكتابه الجديد

"البناء السوري وحدة التنوع والتعدد"

 

بقلم الدكتور

محمد منير الشويكي الحسيني

الأمين العام للاتحاد العالمي لنقابات الأشراف

§        لماذا أضحت سورية جوهرة مشعة على ثوب الإنسانية؟

 

 

يتحلى المؤرخ الدكتور مازن يوسف صبّاغ، بمزية الباحث المنصف للأمور، الذي يمنحه مقوّمات البحث العلمي الصحيح من التسرع في إطلاق الأحكام، فهو يعرض الحقائق والأفكار من وجهة نظره عرضاً لا تعصب فيه، ولا تزمت للرأي الشخصي، وإنما فيه الغيرة الصادقة على الشأن العام وعلى الموضوع ذاته، من أجل كشف حقيقته، وإبراز ما فيه من روعة وجمال وقوة وانسجام وتناغم، وصولاً إلى الجوهر.

في كتابه الجديد... وهو الأول من نوعه في المكتبة السورية، على حد علمي، نظراً لشموليته وتغطيته بما يخدّم موضوع الكتاب، لتاريخ سورية القديم والحديث، الذي أسماه مؤلفه ومعدّه الدكتور المؤرخ مازن يوسف صباغ "البناء السوري وحدة التنوع والتعدد"، يؤكد مؤلفه ويلقي الضوء على تلاحم النسيج الاجتماعي السوري، في أنداء الوحدة الوطنية الحقيقة المتجذرة عفوياً في وجدان وسلوكيات أبناء الشعب السوري.

ويقع الكتاب الذي توقفنا عنده في /807/ صفحة من القياس الكبير، وقد صدر حديثاً بدمشق ضمن منشورات (دار الشرق ـ د. نبيل طعمة) وفيه يتوقف مؤلفه الذي يتسم فكره وأسلوبه، وهذا ما استنتجه بنفسي من خلال قراءة مؤلفاته، بالمنهجية وغزارة المعلومات الموثقة من كتب قديمة وحديثة ومخطوطات نادرة مصوّرة، التي يختزنها في مساحة ذاكرته وفي مكتبته وأرشيفه الشخصي الضخم الذي نذر نفسه له لإغنائه وتطويره وتحديثه.

يقول الدكتور صباغ في مفتتح كتابه: "بدا للعالم أن الشخصية السورية، هي نتاج الشرعية للتفاعل الحرّ بين الثقافات المتعاقبة، وهي تطبخ في بحيرة الزمن التي ترفدها أنهار كثيرة وتصب بالتالي في فروع أكثر، فتحولت سورية إلى جوهرة مشعة على ثوب الإنسانية.

ويضيف الدكتور صباغ: "تاريخ يشهد على الغزوات طمعاً في الواقع السوري التاريخي والنعمة الجغرافية... وحاضر يستمر في رفع السلام، وإصرار في التأكيد المستمر على الحفاظ على الكنز التاريخي وحقوق البشر في الأرض العربية، سورية هي في البرهان على الوحدة الإنسانية بين الديانات، التي ما لبثت سورية منذ القدم ترفع لواء وقوفها صفاً واحداً أمام التنازع والاختلاف والتمزق الروحي للبشرية، هادفة إلى استمرار التناغم مع الوفاق والعدل مع المساواة، بل لتؤكد على أن هذه الأرض، تستمر في التأكيد على أنه من تجليات الخلود الذي نتمسك به".

ويورد الدكتور صبّاغ في كتابه "البناء السوري.." حقيقة تاريخية، قد تكون غائبة عن أذهان الكثير، هذه الحقيقة نمت وأينعت وأزهرت في ربوع هذه البلاد: "فالمسيحية سورية عربية.. والإسلام عربي، والتسامح هو العنوان العظيم للحضارة العربية، وعلينا إبراز عمق التسامح الديني الذي تتميز به سورية، مقارنة مع جميع البلدان التي تعتمد فيها الأديان والطوائف والمذاهب، وهي في الوقت ذاته قد ساهمت في تعميق التآخي الديني في سورية ذاتها. إبراز هذه الصورة الوضّاءة لسورية أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي، وهذا بحد ذاته مزعجاً لحكّام "إسرائيل" وحماتهم، والعاملين في خدمتهم، ويبرزون يومياً عنصريتهم وكرههم للناس، والتركيز على يهودية "إسرائيل" أو صهيونيتها الحاقدة المدمرة.

وتضمن الكتاب بين دفتيه، دراسات تاريخية محكمة ومقالات معمقة ذات خصوصية عالية، بأقلام معاصرة لرؤساء وسياسيين، ولقامات دينية وروحية مؤثرة، ولمفكرين وأدباء وصحفيين، حيث دعوا وأكدوا جميعاً وبصيغ مختلفة عن عمق العلاقة بين الناس وأديانهم ومذاهبهم في البلاد السورية، وعن طبيعية التسامح السائد في الحياة، ورغبة هذا الشعب في توطيد دعائم السلم الاجتماعي، الذي فيه ازدهار الوطن، وفي هذا الشأن يقول الدكتور محمد المجذوب: أستاذ جامعي وباحث لبناني،: "على المؤمنين بمبدأ التسامح الديني، أن ينتبهوا إلى أمر مهم يتلخص في أن الدين أو المذهب الديني يمكن أن يوظف لغايات سياسية، أو لغايات لا علاقة لها بالدين، مثل الصراع على الحكم بين فئات تنتمي إلى دين واحد أو أديان مختلفة، أو التذرع بحجة تقرير المصير، أو الرغبة في التخلص من حاكم معين، أو التمهيد للسيطرة على بلد معين، ولهذا ينبغي لنا التمييز بين التسامح والمصالح لئلا ينقلب الدين إلى مجرد ذريعة".

ومن فصول الكتاب الممتعة، ذلك الفصل الذي يتحدث فيه، عن شخصيات إصلاحية ووطنية وثورية، كانت لها إسهامات مؤثرة في البناء السوري الشامخ، من هؤلاء نذكر ضيف دمشق الكبير، الشريف الأمير عبد القادر الجزائري الحسني "1807-1882"، الذي لم تكد الأنباء تتوارد عن قرب وقوع فتنة عام /1860/، حتى جمع الأمير الجزائري، العلماء والوجهاء والأعيان من أهالي دمشق، وجماعة المهاجرين المغاربة وخاطبهم قائلاً: "إن الأديان وفي مقدمتها الدين الإسلامي أجلّ وأقدس من أن تكون خنجر جهالة أو معول طيش، أو صرخات نذالة تدوي بها أفواه الحثالة من القوم. أحذركم أن تجعلوا لشيطان الجهل فيكم نصيباً، أو أن يكون له إلى نفوسكم سبيلاً".

ومع تحذير الأمير عبد القادر، انطلقت شرارة الفتنة في دمشق عام /1860/، وبقي الأمير أربعة عشر يوماً متواصلة، لم يتوقف فيها لحظة عن نصرة المظلومين وانقاذهم من القتل.. وكان يقضي الليالي ساهراً وبندقيته في يده حرصاً على حياة من لاذ في أفيائه.

وفي الكتاب، أيضاً، لمحة عامة عن ثورة الشيخ صالح العلي ضد الاحتلال الفرنسي، حيث اندلعت هذه الثورة في أواخر عام /1918/ حتى عام /1921/، كما أفرد المؤلف صفحات للحديث عن دور المجاهدين والمصلحين في التصدي للغزاة، من خلال بثّ الوعي المعرفي في نفوس أبناء الشعب، من هؤلاء الأعلام الكبار نذكر: إبراهيم هنانو، وسلطان باشا الأطرش، وأحمد مريود، وفارس الخوري، والسيد محسن الأمين.

وخلاصة القول.. فقد جاءت صفحات هذا الكتاب الهام والمرجع معبرةً، في زحمة هذه الحوادث والتحولات التي يشهدها الوطن العربي، لتقول إن على السوريين أن يستمروا على إعلاء مجد سورية، ارتقاء إلى قمم الكرامة والمجد الأثيل والسمو المعرفي، وفي الوقت نفسه عليهم أن ينشروا، كدورٍ حضاري لهم في هذه المنطقة من العالم، رسالة التسامح والمحبة والرحمة والأخوة الصادقة في كل مكان.

وتعميماً للفائدة.. فإنني حريص، على أن لا يفوت الأخوة القراء ومحبي المعرفة الصحيحة، قراءة هذا الكتاب الهام في موضوعه، ودراسته باهتمام وإمعان، وبذلك يكون البناء السوري في الألفية الثالثة، منارة تشع علينا وعلى الإنسانية بالخير والازدهار.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.