تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

برسم الصديق رياض

محطة أخبار سورية

كنت أظن أن مكتبتي امتلأت، ولا أقول اكتملت، لأنه ما من مكتبة يشغف صاحبها بالكتاب، يقتنع أنها لم تعد تتسع للمزيد، كالكأس الذي يفيض، بل تبدو الرفوف مع الزمن مثقلة، وتفقد «أناقتها» شيئاً فشيئاً، لأن الوافد الجديد من الكتب يزاحم، بلا توقف، تلك المتلاصقة طولاً، ويرضى بموطىء قدم أفقي، أو عشوائي، ويراوغ ضيق بيوتنا التي أجبرتنا على إلغاء تلك الخزائن البلورية الأنيقة، التي كانت جداتنا وأمهاتنا يتباهين بمحتوياتها من الأطباق والفناجين القاشاني، التي توضع للزينة أو للضيوف النادرين!.
ارتضيت أن أستغني عن أربعة جدران من إحدى غرفتي المنزل الصغيرتين، لأتساكن مع الروايات وكتب التراث والبحوث الأدبية، والقليل من دواوين الشعر والكثير.. الكثير من كتب الأطفال التي أصدرتها وزارة الثقافة بكل ثرائها ورقيها وتنوعها.. وذات صباح اكتشفت أن المكتبة لم تكن تكبر وحدها كالشجرة المثقلة بالثمار، بل كبرت أنا أيضاً، مع الإقلاع عن الإحساس بالألم كلما اكتمل عقد من العمر «شعرت بهذا حين بلغت العشرين والثلاثين، ثم استسلمت».
وفي صباحي الستيني، أصبحت جدة لحفيدتين، وتوجب عليّ أن أعيد قصص الأطفال التي قرأها أبنائي وهم صغار إلى الأحفاد، فقسمت مجلدات مجلة أسامة الثمانية لينال كل واحد مجلدين، لكن حين مددت يدي إلى المنشورات المنفردة، وقعت في لوم وعتب شديدين، إذ احتج الأوسط على نيل أخيه الأكبر على مجموعة «أندرسن»، وعتب الأكبر على حرمانه من الأساطير الأفريقية، واكفهرت الوجوه لدى إنزال المزيد عن الرفوف، وبتّ أروز طويلاً كل مجموعة قصصية أصدرتها الوزارة قبل أن أقدمها لإحدى الحفيدتين، وكأنني قاضٍ لا يستحق سمة العدالة، فلماذا أقدم الأساطير الفنلندية لهذه، وأحرم منها تلك؟!.
والأمر ذاته مع الحكايات الروسية والأرمنية والهندية والصينية، وما كتبه زكريا تامر ودلال حاتم، وفي عمق هذه المشكلة، كان شيء ما يسعدني، وهو أن الأبناء لم يتنازعوا على ملكيتي لمزرعة أو عقار أو مجوهرات، بل على كتب أحتفظ بها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ويؤمنون أنها كنز سيقدمونه لأولادهم، على الرغم من أنهم لم يتعلموا القراءة بعد!.
بدأت من هذا المفترق، أفتش عن مطبوعات الوزارة تحت الجسور وعلى الأرصفة، وباتت كل لقية، على ندرتها، انتصاراً نفسياً عظيماً، على الرغم من خيبتي الشديدة من معروضات الأرصفة تلك، التي نالها ما نال الحياة الثقافية برمتها، فهناك أيضاً كتب الأبراج والطبخ والشعوذة، وروايات إحدى الكاتبات التي اشتهرت بعيداً عن قيمة ما تكتبه أدبياً، وعلى هذا المفترق تمنيت أن تلتفت هذه الوزارة التي كان لها الفضل العظيم علينا جميعاً، إلى ما اجترحته من مآثر وتعيد طباعة ما نفذ منذ عقود، على الرغم من أنها لم تتوقف عن تقديم الجهد لتثقيف الأطفال، والتفتت مؤخراً إلى التاريخ والعلوم والكون والفضاء.. ولعل هذا الرجاء يصل إلى السيد وزير الثقافة رياض عصمت، الذي يدّعي كل واحد منا بثقة أنه نال شيئاً من صداقته وعذوبة تعامله، حين تزاملنا في الإعلام.
ويا أيها الصديق رياض، العالِم، بأسبقية هذه الوزارة إلى جلاء تراثنا العظيم، وتقديم روائع الأدب العالمي بالأسعار الزهيدة، نعلم أن مهام الوزارة جسيمة ومنهكة، وأنها خرجت من مجرد إصدار مجلة وكتب للأطفال، إلى تفعيل تواصلها الرائع مع أطفالنا على امتداد الوطن العربي عبر نشاطات مديرية ثقافة الطفل، لكن هل لي أن ألتمس منك إعادة إصدار المطبوعات التي أغنت ذائقة أبنائنا منذ إعلان العام الدولي للطفل عام 1979، ولديك فريق عمل متحمس، ولن يقصر في تنفيذ توجيهاتك، بحيث يتاح لكل جيل الاستمتاع بما أفاد منه سابقوه، وقد يتاح للأسرة الواحدة أن تقتني أكثر من نسخة، فلا تجد الجدة حرجاً في توزيع الإرث بعدالة وراحة ضمير.. فهل ستفعلها أيها الصديق رياض؟!.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.