تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«هوية مجهولة» تحقيق إخباري للقنوات الأرضية

 

محطة أخبار سورية
ينس يونكر مخرج أفلام تسجيلية وابن لسيدة ألمانية تعمل كمخبرية، تزوجت من رجل دين محافظ وكان ينس أول أبنائها، لوحظ منذ ولادته اختلاف ملامحه عن ملامح أخوته،.
 
لكن ذلك ظل إيهاماً خفي إلى أن تشاجر في أحد الأيام مع والده في مشادة عائلية الأمر الذي أفلت من فم الوالد شتيمة بأنه تحمله أكثر من عشرين عاماً وهو ليس والده الحقيقي.. هذا المفصل الرئيسي لقصة فيلم «هوية ضائعة» للمخرج الألماني ينس يونكر الذي عرض ضمن أفلام Dox Box دمشق، كنا نعتقد من تبويب الفيلم على بوستر المهرجان أن ثمة حكاية تسجيلية عفوية تسوق مسارات الفيلم، لكن ما اتضح أخيراً أن الابن قام بدور الصحفي المحقق الذي راح يحاور جدتها مدخلاً حديثه مع والدته في مخبرها عن صباها وعلاقتها مع الرجال، وهنا نرى تكذيب الجدة المستمر من خلال مونتاج كلا اللقاءين الظاهرين حسب التسلسل الزمني للفيلم. ‏
 
يتقصى ينس يونكر خطوات والدته حين كانت في بيروت منتصف السبعينيات، وفي حوار ما، يشبه الاعتراف المحفوف بالحنين، تبوح الأم لابنها بعلاقتها مع طبيب لبناني كان يدرس الطب في ألمانيا، الأمر الذي يقود الشاب إلى مصارحة والده المسؤول في كنيسة ما عن حقيقة علاقات أمه قبل الزواج، وعن سبب تبرئته من الأبوة في لحظة غضب، لكن الأب يردد أن السماح ميزة دينية بحت وأن ما مضى لا يهم، ويدعوه لأن ينسى كل ما قاله له في تلك المشاجرة لأنها مجرد ترهات! ولأن الماضي ليس أكثر من امتحان روحي ونفسي للإنسان ليستفيد منه... لا يقتنع الشاب ينس بكلام والده، يجمع حقائبه متوجهاً إلى بيروت – صور حيث عيادة الطبيب علي أبو خليل العشيق القديم، هذا العنوان الذي استطاع أن يحصل عليه من ذاكرة أمه، كانت الأم تردد اسم الطبيب كأنها تستحضره الآن إلى وصالها، ما حفز الشاب على المغادرة بحثاً عن جذوره الحقيقية..
 
 
في بيروت يصل الشاب الألماني إلى عنوان منزل الطبيب الذي من المفترض أن يكون والده، ويلتقي به في أجواء مهيأ لها مسبقاً كما يبدو، الأمر الذي أخرج الفيلم من حالته الواقعية وأسقطه في دوامة تحقيق صحفي تلفزيوني، لم يصل حدود الواقعية العفوية، بل اتجه نحو ما يشبه المصادفات الهندية.. يتردد الطبيب قليلاً وهو يسمع سيرة الشاب واسم والدته ثم يؤكد له أنه كان يعرف والدته فعلاً منذ أيام الشباب، ليس لديه أي مشكلة في أن يكون والده، لكن الفكرة أن هذه المفاجأة بحاجة إلى تريث واستيعاب طويل يتطلب حرصاً ذاتياً ونفسياً على تفاهم موضوعي مع أسرته المقيمة في بيروت. ‏
 
بقي الطبيب إلى جانب الشاب لأيام يحدثه عن ذكرياته ويؤكد شبهه الكبير له، لكن المُشاهد إلى تلك اللحظة لم يشعر أن ما يشهده هو حدث استثنائي وتسجيلي لا قصة مصفوفة ومركبة، هذا تماماً ما وضع فيلم (هوية ضائعة) على محك التجريب البحثي بلغة السينما الواقعية، وقدمه على شاشة (Dox Box) مجرد ملء فراغ يناسب القنوات الأرضية، غير أن صاحب الفيلم أساساً هو مخرج أفلام تسجيلية وهذا ما سهل له اختراع أفكار سطحية وبسيطة لا تمتلك امتيازاً خاصاً أو سبباً منافساً ليعرض أمام الجمهور كنتاج سينمائي عالمي، على الرغم من أن نمطية التحقيق مأخوذة بزوايا عدسة سينمائية، إلا أنها تجاوزت حدود سيناريو الصورة الارتجالي، وصبت كل منافذ الاكتشاف المتتالي لحقيقة الجذور ضمن توقعات المُشاهد وخيبته بأن البحث والتقصي في مثل قضايا مصيرية كهذه يبدو سهلاً في الخارج ومستباحاً وأن مغامرة نسف سنوات المعيشة مع عائلة يرعاها أب آخر ليست إلا فيلماً كرتونياً قابلاً للانقلاب على مفاهيم العقل. ‏
 
لا تكفي الذاتية القصصية لتناول جانب خاص في حكاية سينمائية واقعية، بل هنالك معايير أساسية لم يحقق فيلم (هوية ضائعة) أبسطها، ولعل تميز الفكرة جعل صانع الفيلم يظن أن أي حشو أو محاولات فيدرالية ستكون ذات صبغة تشويقية لافتة، وهذه الصبغة تأتي من صلب (الخاص) أو (العائلي) وذلك تحديداً ما كشف عن عطب سينمائي في تحقيقي إخباري تلفزيوني عرض بالخطأ تحت تبويب السينما التسجيلية..!!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.