تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

توقعات لما يُطلب من نتنياهو تقديمه في واشنطن

 

بقلم: آفي يسسخروف وعاموس هرئيل
      
          اذا لم تطرأ تغييرات في اللحظة الاخيرة، فان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيكون مطالبا في زيارته الى البيت الابيض في 18 ايار ببادرات من النية الطيبة تجاه الفلسطينيين. لا يدور الحديث عن ازالة حفنة من الحواجز او اطلاق سراح بضع عشرات من السجناء على نمط عهد بوش، بل خطوة دراماتيكية، يمكن للرئيس الامريكي باراك اوباما ان ثبت أنه بخلاف سلفه يمكنه أن يحدث تغييرا حقيقيا على الارض.
          نائب اوباما، جو بايدن، اطلق هذا الاسبوع في المؤتمر السنوي للوبي ايباك مطلبا صريحا من اسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات واخلاء بؤر استيطانية. هذه التوقعات ليست فقط من نصيب البيت الابيض. في الكونغرس ايضا، في وزارة الخارجية وحتى في اوساط محافل مؤيدة لاسرائيل بوضوح في واشنطن، يأملون بخطوة ذات مغزى من جانب نتنياهو. ولو من أجل ازالة سحابة الازمة المحتملة بين اسرائيل والولايات المتحدة. اعلان في وسائل الاعلام (وليس داخل الغرفة البيضاوية) عن رغبته في المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين لاجل الوصول الى حل على اساس مبدأ الدولتين سيستقبل بالترحاب. وهكذا ايضا تبنّي مبادرة السلام العربية، حتى في صيغة غامضة. وبالطبع: وقف البناء في المستوطنات.
          اذا ما تملص نتنياهو، فان الضغط الامريكي سيتعاظم. "لا، لا استطيع"، ليس من نوع الاجوبة التي تطرح الان بعطف في واشنطن في الاشهر الاولى لرئيس يصمم زعامة من نوع جديد – ويستقبله حاليا الامريكيون باعجاب وعطف كانا محفوظين حتى اليوم لجبابرة هوليوود او نجوم الروك.
 
          خوف اوباما
 
          رغم أنه مرت نصف سنة على الانتخابات الرئاسية، فان عبادة الشخص، الخوف من اوباما، يرفض التبدد. بالعكس: في المحلات المركزية في المطارات الامريكية ازداد فقط عدد الاشياء التي تحمل صورة الرئيس. فضلا عن القمصان والقبعات، ينتجون حتى سكاكر النعنع في علب تحمل صورة اوباما. ويمكن شراء دمية للاطفال على شكل الرئيس الـ 44. من الصعب تصور أبوين اسرائيليين يشتريان لاطفالهم "دمية بيبي" او سكاكر بمغلفات اولمرت او باراك.
          ولكن يبدو أن هذه ادنى المشاكل لنتنياهو قبيل سفره الى واشنطن. الخلاف بين نتنياهو واوباما بالنسبة للمسائل الحرجة كطريقة معالجة ايران ومستقبل المفاوضات مع الفلسطينيين من شأنه أن يصل الى أزمة علنية. حاليا، لا يبدو واضحا جهد علني من الجانب الاسرائيلي لتهدئة الخواطر. البيت الابيض لا بد انه لا يتصرف على هذا النحو. ومؤتمر ايباك بالذات، الساحة الدائمة للاعلان عن تصريحات العطف والصداقة بين الدولتين وفر هذه المرة منصة لتجسيد الخلافات في الرأي. خطاب نتنياهو في المؤتمر، الذي بث عبر الاقمار الصناعية، وان كان بدأ بخط متصالح جدا، في ظل الاعلان عن أن المسيرة السلمية ستجري في ثلاث قنوات: السياسية، الامنية والاقتصادية (حتى الان تحدث رئيس الوزراء فقط عن مسيرة اقتصادية وامنية). الا ان نتنياهو امتنع عن قصد عن الذكر الصريح للدولتين. وبالمقابل، شدد على المطلب الاسرائيلي في أن يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة يهودية. وان كان واضحا له بان الادارة الامريكية لن تعمل في هذا الشأن ولا سيما بعد رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عمل ذلك.
          بايدن، في الغداة، وان كان وصف نتنياهو بانه "صديقي الطيب"، الا انه شدد على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل حسب مبدأ الدولتين للشعبين. وعندها اضاف نائب الرئيس "شيئا ما قد لا تستطيبون سماعه: قائمة مطالب في موضوع المستوطنات والبؤر الاستيطانية"، الى جانب حرية الحركة للفلسطينيين في الضفة. بشكل عام تعمل في واشنطن منظومة مركبة من الكوابح والتوازنات عرفت اسرائيل كيف تستغلها غير مرة في صالحها. وحتى تحت ادارات معادية نسبيا في الماضي، حرص الكونغرس على حماية المصالح الاسرائيلية، حيث رأى السناتورات واعضاء مجلس النواب امام ناظريهم الحملات الانتخابية القريبة. اما في هذه اللحظة فان معدل التأييد لاوباما عال جدا لدرجة أنه يخيل للحظات ان بوسعه ان يقول وان يفعل كل شيء تقريبا. كما أن الاجواء في واشنطن، في كل ما يتعلق بالشرق الاوسط تجتاز تغييرا حقيقيا. اللوبي اليهودي الجديد "جي ستريت" الذي ينافس ايباك من اليسار، يتمتع لاول مرة بحق الوصول الى المستويات ذات المغزى في الادارة.
          مفهوم اوباما بالنسبة للقناة الفلسطينية لا يستقبل بحماسة في اسرائيل. غيدي غرينشتاين، مدير عام معهد "رأوت" للابحاث يقول ان الادارة تخطىء في سعيها الى تسوية دائمة بين اسرائيل والسلطة، في الظروف الحالية. فليس فقط الاحتمالات لذلك هزيلة، بل ان المحاولة الامريكية لربط ذلك مع حكومة وحدة بين فتح وحماس مآلها الفشل. هذه مهمة متعذرة في الظروف القائمة، يقول غرينشتاين. من الافضل للامريكيين أن يختاروا مسلكا يتمثل بنقل المزيد من الصلاحيات من اسرائيل الى السلطة في الضفة والتعزيز الكبير لقوات الامن الخاضعة للرئيس عباس ولرئيس الوزراء سلام فياض.
          ما لم يقل
          مقلق بقدر اكبر من ناحية اسرائيل النهج المتبلور لدى الادارة الجديدة نحو ايران. بايدن شرح هذا الاسبوع بان الولايات المتحدة تسعى الى البحث مباشرة مع طهران في مسألة النووي ولم يذكر موعدا محددا مسبقا لانهاء الحوار الدبلوماسي. بل ان نائب الرئيس امتنع عن التصريح الذي ترقبه مندوبو مؤتمر ايباك وبموجبه ايران النووية غير مقبولة في نظر الولايات المتحدة. في القدس يخشون من أن يكون يفهم من ذلك انه في السيناريو المتطرف، سيكون هذا بالذات مقبولا في واشنطن.
          في دوائر آخذة في الاتساع في العاصمة الامريكية، حتى وان كانت لا تضم في هذه الاثناء علنا اناسا في الادارة نفسها، ينتقل البحث الى مسألة كيف التعايش مع النووي الايراني، او كبديل كيف الابقاء على ايران، من خلال رزمة تهديدات واغراءات على مسافة بضعة اشهر من القنبلة. طهران، بات واضحا، ليست في رأس الاجندة الامريكية. نتنياهو سمع في الشهر الماضي من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قلقا عميقا من سيناريو كابوس ذري آخر: سيطرة طالبان على سلاح نووي في الباكستان القابلة للانكسار.
          الاسرائيليون يتساءلون اذا كان الرئيس الجديد يرى مثلهم خطورة التهديد من طهران، ضغط الوقت، الاثار المتوقعة. اما الاوروبيون من جانبهم فراضون. دبلوماسي من دولة مركزية في الاتحاد، زار البلاد مؤخرا قال ان الاهداف الامريكية بالنسبة لايران واضحة: الاول – بلورة ائتلاف دولي قبيل عقوبات اشد، عندما تفشل المفاوضات، في ظل مسعى لتجنيد روسيا والصين اليها. الثاني – منع القصف الاسرائيلي. هجوم امريكي في ايران؟ "هذا على الاطلاق ليس موضوعا على الطاولة".
          يوم الاحد القى رئيس طاقم البيت الابيض رام عمانويل، الابن لابوين اسرائيليين، خطابا امام المتبرعين الكبار في ايباك. حتى رئيسة المعارضة، النائبة تسيبي لفني من كديما كانت هناك. عمانويل قال للمتبرعين ان حل النزاع مع الفلسطينيين سيسمح للولايات المتحدة بالتقدم في معالجة التهديد الاساس، النووي الايراني. ومع ان اقوالا مشابهة ("يتسهار مقابل بوشهر") نسبت لعمانويل في محفل مغلق آخر، فقد أثار خطاب رئيس الطاقم دهشة في اوساط بعض من السامعين.
          الاشتراط الظاهر لعملية امريكية ضد ايران بتنازل اسرائيلي في المناطق ليس مفهوما من تلقاء ذاته. ففي اوساط الجمهور ولدت اقواله موجة من الاشتباه ونظريات المؤامرة. احداها اعتقدت بان الادارة الجديدة تخشى جدا المواجهة المباشرة مع الايرانيين لدرجة أنها تربط عن قصد المسألة الفلسطينية بالايرانية، مع علمها ان حكم حماس في قطاع غزة يصفي مسبقا كل فرصة للتقدم.
          صيغة اخرى، تستند على ما يبدو الى أقوال تلفظ بها عمانويل نفسه هي ان رئيس الطاقم " ارتجل" في اعداد الرسالة وفي بعض من خطابه، بشكل يخرج عن الخط الرسمي للرئيس. اعتقاد ثالث، يقترب من التفسير النفسي يقول ان "نزعته الاسرائيلية" صعدت الى رأسه وانه يعتقد بانه يعرف الاسرائيليين افضل من الجميع ولهذا فان بوسعه ان يعرض تجاههم معاملة فظة ومتصلبة.
          ليس لعمانويل حق البراءة في الصيغة التي تربط بين ايران والفلسطينيين. زعماء عرب معتدلون طرحوا الفكرة قبل بضعة اشهر، ضمن امور اخرى بدعوى انه سيكون ممكنا هكذا تجنيد الرأي العام في الدول السنية للانضمام الى ائتلاف مستقبلي ضد ايران. ولكن هناك شيء ما مشكوك فيه في هذا الادعاء: الشك في ان يكون بوسع تقدم المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ان تفرض النظام والهدوء في شوارع عمان في حالة قصف نتناز. بل ان الامر يصبح اكثر تعقيدا حين يطرح في خطاب عمانويل فماذا سيحصل اذا لم يتحقق تقدم في القناة الفلسطينية؟ فهل ستسمح الولايات المتحدة عندها لايران بالتقدم نحو القنبلة، كعقاب مناسب لاسرائيل؟
          نائب الرئيس بايدن حاول ان يشرح في خطابه بان المسيرة السياسية الحقيقية في القناة الفلسطينية ستجعل من الصعب على ايران توسيع نفوذها في المنطقة. وحسب اقواله، فان سياسة العزل التي انتهجتها ادارة بوش لم تزح ولو للحظة الايرانيين عن مسار تخصيب اليورانيوم. ولا يزال، حتى لو توصلت اسرائيل والسلطة بطريقة المعجزة الى اتفاق سلام، فان طهران لن توقف سباقها نحو القنبلة. في سلم اولوياتها، ايران غير معنية بالقنبلة فقط كي تبيد اسرائيل وتساعد الفلسطينيين بل كي ترسخ مكانتها كدولة اقليمية وتخلق ميزان ردع محسن حيال الدول المحيطة الكثير منها ترى فيها تهديدا.
          موظف كبير سابق في ادارة بوش صاغ هذا الاسبوع الامور بفظاظة في حديث مع هآرتس. فقد قال عن تصريحات بايدن وعمانويل ان "هذا ربط مرفوض. كيف يكون ازالة بؤر استيطاينة او وقف البناء في المستوطنات يرتبط باجهزة الطرد المركزي في ايران؟ مفهوم انهم (رجال اوباما) يريدون ان يقوموا بامور تختلف عما كان في عهد بوش ولكن ترتكب هنا بضعة اخطاء اساسية. لماذا يرفض وزير الدفاع روبرت غيتس علنا امكانية مهاجمة اسرائيل لايران؟ حتى لو لم تكن تريد لاسرائيل ان تفعل هذا ، فهناك ادوات اقل علانية لنقل مثل هذه الرسالة. بمجرد قول ذلك في وسائل الاعلام فان الولايات المتحدة تخفف الضغط عن ايران بدلا من ان تفعل العكس".
          وارفق الموظف ملاحظة تحفظ: لا يزال من السابق لاوانه القول ماذا يفكر الرئيس اوباما نفسه. "الادارة لا تزال تصمم سياستها. هم جدد في هذا العمل ويحاولون ان يفهموا الامور. عمانويل قال ما قال، ولكن هيلاري كلينتون والمبعوث جورج ميتشل قد يفكران على نحو مختلف. اللقاء في البيت الابيض سيكون فرصة ذهبية بالنسبة لنتنياهو، بالنسبة لنا جميعا في ان نفهم من هو الرئيس وما هي مواقفه".
          ديفيد مكوفسكي من كبار معهد واشنطن لبحوث الشرق الاوسط، يدعي بانه ليس لادارة اوباما نية حقيقية بالربط بين معالجة ايران والسلام مع الفلسطينيين. ويعتقد مكوفسكي ان الادارة ترغب في ان تقيم مسيرة سياسية كي يتركز الاهتمام الدولي على ايران وليس على الازمات الاكثر هامشية. "نتنياهو بهذا المفهوم، مطالب اساسا الا يزعج. لا اوباما ولا اسرائيل يبحثان عن مواجهة. ولكن التخوف هو انه اذا لم توجد الصيغة لحل مسألة مثل المستوطنات، فان للتطورات على الارض ستكون آلية خاصة بها والامر سيخرج عن مسلكه الطبيعي".
 
          تحويل للادوار
          يوجد ميل صحفي لرفع مقصود لمستوى التوقعات قبل "لقاء القمة" وبالتأكيد بين منتخبين حديثي العهد كأوباما ونتنياهو. ومع ذلك، يبدو ان هذه المرة يوجد للقاء في 18 ايار اهمية خاصة. اوباما احسن في نقل الرسالة التي ملخصها ان التحديات الهائلة التي تقف امامها الولايات المتحدة تستوجب تغييرات متطرفة في استراتيجيته. الرئيس الجديد بدأ ولايته مباشرة في الغيار الرابع.
          في اسرائيل يفهمون هذا: في كل يوم تقريبا يجري نتنياهو، وغير مرة بمشاركة وزير الدفاع ايهود باراك، مداولات تمهيدية وسياسية قبيل الزيارة الى الولايات المتحدة. ويكاد لايوجدهناك شك بانه فور انتهاء اللقاء في البيت الابيض سينقط الجانب الاسرائيلي قصصا وردية لوسائل الاعلام حول الكيمياء الرائعة التي ظهرت بين الزعيمين. وسيمر على ما يبدو زمن ما الى ان يتبين مدى حدة اللقاء. ولكن نتنياهو لا بد يتذكر بان الامريكيين سبق ان اظهروا في الماضي قدرة ثابتة على تخريب ولاية رئيس وزراء اسرائيلي وحتى على فرصه في صناديق الاقتراع (اسحاق شامير في 1992).
          رئيس الوزراء سيجد واشنطن مختلفة عن تلك التي يعرفها. رغم العدد الكبير لاصدقاء اسرائيل في الكونغرس، فانهم من غير المتوقع ان يقفوا ضد الرئيس الشعبي حتى لو اظهر خطا حازما ازاء اسرائيل. الجمهوريون لا يزالون في صدمة جراء نتائج الانتخابات والاثار بعيدة المدى للاكتشافات المتراكمة عن اداء ادارة بوش.
          وحتى المواقف التقليدية للبيت الابيض ووزارة الخارجية بالنسبة لاسرائيل اجتازت تحويلا في الادوار: كلينتون وميتشل، اللذان يعرفان طويلا الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني، اكثر حذرا في تقديرهما لفرص تقدم المسيرة، في الوقت الذي يبدو فيه البيت الابيض كمن يضغط على اسرائيل بالمقابل، فان مسؤولا اسرائيليا شارك في الماضي مشاركة مركزية في محادثات سياسية مع الولايات المتحدة والفلسطينيين يسعى لتهدئة الخواطر: في نهاية المطاف، الكرة الارضية لن تكف عن الدوران يوم لقاء اوباما ونتنياهو. الاتصالات بين الطرفين ستتواصل حتى بعد ذلك.
                                                                                                                    هآرتس - مقال – 10/5/2009

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.