تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوباما، قاتل الذبابة هل يستطيع تنفيذ وعوده

 

 
أوباما، قاتل الذبابة هل يستطيع تنفيذ وعوده 
    
      حملة براك أوباما الانتخابية كانت المسرحية الأفضل في أمريكا. أوباما نصف الراقص ونصف المطرب صاحب الخطابات الساحرة. نزل من طائرته مسرعاً ليتزحلق نحو كرسي الرئاسة بالسهولة نفسها التي ظهر فيها عالياً في عروضه الانتخابية. أمريكا التي شهدت رؤساء عابسين ذوي لسان ثقيل متلعثم تأثرت من الرئيس الجديد الذي يتوجه مباشرة للانغماس في المشكلات الداخلية ويحدث انقلاباً في التأمين الصحي ومعالجة قضية البطالة والأزمة الاقتصادية. هو نجح في اجتياز المئة يوم الأولى له كما قال متندراً حول نفسه خلال 72 يوماً وفي اليوم الـ 73 خرج للاستراحة.
          من الناحية الفعلية هو قد قضى 5 أشهر في منصبه وعيون العالم تنتظر بترقب لترى كيف سيقوم بحل المشكلات العالمية محافظاً على مكانة أمريكا زعيمة للعالم. أوباما يحافظ على روح دعابته بين المداولات في البيت الأبيض ويبرز شعبيته. الصحفيون التقطوا له صورة وهو يقوم بقتل ذبابة مزعجة بيده خلال مقابلة مع مراسل الـ سي ان بي سي، ودعى الكاميرا لالتقاط صورة جثة الذبابة عندما سأله المراسل إن كان قد نجح في قتلها فعلاً. هو يلعب كرة اليد في الغرفة البيضاوية ويتحدث في الهاتف بينما يضع قدميه على الطاولة ويسمح بالتقاط صور له وهو يرتدي لباس الطباخين بينما يقوم بشوي اللحم في المنقل الرئاسي وما إلى ذلك.
          وبين هذا وذاك ينتصب أوباما في جامعة القاهرة ويلقي خطابا في 55 دقيقة للعالم الإسلامي في منطقتنا مكرساً 7 دقائق منه للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ليس واضحاً لماذا اختار هذه الطريقة المسرحية وهذا الموقع لقول كلماته. والأقل من ذلك، ليس واضحاً ما الذي أمل تحقيقه. هل أمل أن تسقط أسوار أريحا وأن يبدأ الخراف والذئاب في العيش معاً؟ وهل اعتقد أن المستوطنات هي بالفعل لبّ الصراع بيننا وبين الفلسطينيين وليس معارضتهم لمجرد وجود إسرائيل ذاته؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يذكر في خطابه أنهم رفضوا قبول الثلثين المأهولين من البلاد اللذين خصصتهما لهم الأمم المتحدة في الـ 29 من تشرين الثاني 1947، وبدلاً من ذلك ألحقوا بنا وبأنفسهم عشرات السنين من إراقة الدماء؟
          المفكر فون كلاوزفيتس قال ذات مرة إن الواقع يفعل فعله في الحرب. الشيء نفسه يقال عن البيان السياسي وتنفيذ هذا البيان. أوباما وضع رؤيته على الطاولة وأوضح أنه بانتظار الرد. مرت ثلاثة أسابيع منذ خطابه الشهير في القاهرة ولم يرمش الجانب العربي بعد، لأنهم فهموا خطاب أوباما على أنه خطاب موجه لإسرائيل وحدها.
          نتنياهو عكف على إعداد رده وكأنه يعاني من أوجاع البطن ولكنه خلع القفاز في آخر المطاف. من خلال خطاب مدروس جيداً لمس قلب المشكلة: هو مستعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية ولكن منزوعة السلاح مقابل الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. رده كان في الواقع اعترافاً بمبدأ الدولتين لشعبين. نزع السلاح في مثل هذه المرحلة المبكرة ليس شرطاً مبدئياً وإنما جزء من الترتيبات الأمنية. خلال المفاوضات السلمية مع مصر تم نزع سلاح جزء كبير من سيناء ولم يمت أحد من ذلك. كما أنه كان بإمكان الفلسطينيين أن يطرحوا شرطاً مقابلاً كالقول: سنعترف بالدولة اليهودية شريطة أن تقوم بإغلاق ديمونا. ليس هناك تسوية حقيقية من دون ترتيبات أمنية متبادلة. ولكن الرد الفلسطيني المغيظ كعادته جاء على لسان صائب عريقات: "لن نعترف بالدولة اليهودية حتى بعد ألف عام"
          خطاب أوباما كان وفق محك النتيجة عقيماً – إلا إن تم إثره إعداد خطة أمريكية شاملة لإنهاء الصراع سراً. ولكن الرئيس الراقص صاحب روح الدعابة المتطورة والثقة الذاتية لم ينجح بعد في التركيز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وها قد نزلت على رأسه ضربتان: التهديد الكوري الشمالي، والأمر الذي لا يقل خطورة هو اندلاع المظاهرات الدموية في إيران بين الجيل الثاني من الثورة وبين حكم آيات الله بعد خطاب المصالحة الذي ألقاه في القاهرة. ما يحدث في إيران قد يشعل الشرق الأوسط كله. الجمار تشتعل في مصر والسعودية والأردن وهناك يتابعون بقلق نتائج الانتفاضة في إيران ويخشون الإصابة بهذا الوباء. وصوت أوباما لم يسمع.
          أوباما هو إصلاحي كبير ولكن اختباره لن يكون بالخطابات وإنما بالأفعال: باستطاعته كبح التفشي الإسلامي المتطرف في منطقتنا وعلى المستوى الأقل حجماً بمقدوره إجبار الجانب الفلسطيني على الموافقة على خطة الدولتين لشعبين.

                                                                                                                                                                                                                                هآرتس - مقال –   23/6/2009

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.