بعد 42 سنة، يقيم الجيش الاسرائيلي هذه الايام محكمة عسكرية للفتيان في الضفة الغربية. منذ احتلال الضفة الغربية وحتى اليوم، الراشدون والقاصرون الفلسطينيون كانوا يحاكمون في ذات الهيئات العسكرية وامام ذات القضاة العسكريين. مؤخرا وقع اللواء قائد المنطقة غادي شماني على أمر رقم 1644 يأمر باقامة "محكمة عسكرية للشبيبة – محكمة عسكرية من هيئة واحدة، يجلس فيها قاض واحد هو قاضي شبيبة أو هيئة يكون فيها رئيس المحكمة هو قاضي الشبيبة".
وحسب الامر فان رئيس المحكمة العسكرية للاستئناف سيعين للمنصب قضاة عسكريين "تلقوا تأهيلا مناسبا ليكونوا قضاة شبيبة"، لفترة هو يقرر مداها. كما يؤكد الامر بوجوب الفصل "قدر الامكان" بين مداولات محكمة الشبيبة وغيرها من المداولات. كما أنه يسمح للمحكمة العسكرية للشبيبة "اذا اعتقدت بان الامر ضروري لغرض اصدار الحكم على القاصر" المطالبة بتقرير مكتوب من ضابط قيادة شؤون الرفاه في الادارة المدنية عن الوضع العائلي للمتهم.
"إذن اعتراف بالفشل"
المحامي خالد قزمار، المستشار القانوني في الفرع الفلسطيني لمؤسسة الدفاع عن الطفولة الدولية يقول ان "الامر الجديد هو اعتراف متأخر ولكن واضح بالفشل الذي كان قائما حتى الان". ولكن حسب قزمار فان "الفحص الدقيق للامر يبين أن التغييرات التي يعرضها ليست جوهرية وانه يترك مجالا لتدخل واسع من جانب النيابة العسكرية العامة". ويقول ان "فضلا عن حقيقة أن جذر المشكلة ليست في جناية الاطفال بل في الاحتلال الذي يعيشون فيه".
ويقول قزمار ان الامر لا يغير تعريف القاصر الفلسطيني فيما أن في اسرائيل حتى حسب القضاء العسكري فان السن الادنى للمسؤولية الجنائية هي 12 سنة. ولكن ليس مثلما في اسرائيل حيث الانسان يعتبر راشدا ابتداء من سن 18، حسب القضاء العسكري الاسرائيلي – فان الفلسطيني الراشد هو من أتم 16 سنة من العمر. الامر العسكري رقم 132 بشأن "محاكمة مجرمين فتيان" يعد ثلاثة انواع من القاصرين: "الطفل" يعرف كـ "شخص لم يكمل 12 سنة من العمر"، "فتى"، هو من أتم 12 سنة ولكن لم يبلغ 14 سنة من العمر، اما "الراشد الغض" فهو من أتم 14 سنة ولكنه لا يزال دون سن الـ 16.
وحسب القانون العسكري لا يوجد تقادم على جرائم مزعومة نفذها فلسطينيون حتى لو كانوا قاصرين في اثناء تنفيذها. ويروي قزمار عن شاب ابن 17 مثله، وحكم على القاء زجاجة حارقة حين كان ابن 12 سنة.
سطحيا، يخيل أن الامر الجديد يغير وضع الامور هذه، ويحظر محاكمة شخص على جرائم مزعومة نفذها كقاصر ومرت عليها سنتان وأكثر منذ نفذت. أما الفحص الاكثر عمقا فيبين بان الامر يتيح عمليا للنائب العسكري الرئيس التدخل وعمل خلاف ذلك.
وحسب قزمار الذي دافع عن اطفال في المحاكم العسكرية الاسرائيلية على مدى 11 سنة، فان "النيابة العسكرية، لكونها نيابة عامة لقوة الاحتلال، لا تتخلى عن فرصة تقديم الفلسطينيين الى المحاكمة".
من هو القاصر؟
كما أن الامر العسكري لا يغير قواعد العقوبة. شدة العقاب الصادر عن المحكمة العسكرية كانت ولا تزال تتقرر حسب عمر المتهم عند اصدار الحكم وليس عند تنفيذ الجريمة المزعومة – حتى لو كان قاصرا.
المادة 132 من الامر وان كانت تقضي بنصف سنة سجن كحد اقصى لمن هم "فتيان" 12 – 14 سنة يوم ادانتهم وحتى سنة لـ "الراشد الغض" (14 – 16 سنة) الا اذا كانوا ادينوا بجريمة "عقابها اكثر من خمس سنوات". غير أنهم في جرائم عديدة في القضاء العسكري، كما يقول قزمار، عقوباتها اعلى من خمس سنوات سجن. رشق حجارة مثلا – بين عشر وعشرين سنة، او العضوية في منظمة محظورة – عشر سنوات سجن.
في تقرير منظمة "يوجد قانون" من العام 2007 – "محاكمات في الساحة الخلفية" يستند الى مراقبة طويلة اجراها متطوعو المنظمة للمحاكم العسكرية جاء أنه "في الاغلبية الساحقة من المداولات الموثقة لم يتبين أي تناول خاص من جانب المدعين العامين او القضاة لحقيقة كونهم المتهمين قاصرين". اما الميثاق الدولي بشأن حقوق الطفل فتدعو الدول الموقعة عليه، واسرائيل بينها، ان تحدد سن 18 كسقف لمن يعتبر قاصرا. منظمتا "الدفاع عن الطفولة" و" يوجد قانون" تقرران عمر القاصر حسب هذا المقياس الدولي.
وهكذا، حسب تقدير "يوجد قانون" فان الامر العسكري 132 المذكور آنفا يرفع سقف تعريف القاصر الى 18، فقط في المادة التي تبحث في العقاب المالي المفروض على قاصر او الافراج عنه بالكفالة. في هذه الحالة حين يكون الاباء والامهات او الاوصياء الملزمون بدفع الغرامة او الكفالة، فان الشخص بالفعل يعتبر قاصر حتى كونه ابن 18.
صحيفة هآرتس 24/8/2009