تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اوباما -نتنياهو-ابومازن ازالة العقبات وصولا الى انابوليس جديد

 

في مثل هذا الاسبوع قبل 15 عاما بالضبط مع حلول نهاية صيف واشنطني ساخن لعام 1994، أنقذ زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ الا وهو جورج ميتشل ولاية الرئيس بيل كلينتون. في تلك الايام "لم يبدو الامر على هذا النحو" كما ذكر الصحفي الامريكي وليام مكغورين. الجميع اعتقدوا انها هزيمة للرئيس. كلينتون مثل براك اوباما اليوم حاول في ذلك الحين تمرير اصلاح شامل في قانون التأمين الصحي في الكونغرس. ومثل أوباما اليوم اتضح لكلينتون حينئذ ان الاقتراح شيء وسن القانون شيء آخر. لم تكن لديه اغلبية ولكن كلينتون اصر مثلما يصر اوباما اليوم. وقائد الاغلبية ميتشل استجاب للضغط. هو هدد السيناتورات بأن لا يسمح لهم بالخروج في اجازة الصيف القريبة الى ان يصادقوا على الاصلاح. في مثل هذا الاسبوع فقط قبل عقد ونصف من الزمان انتهت طاقته. ميتشل وكلينتون ادركا انهما لا يستطيعان الانتصار في هذه المعركة. ميتشل ترك السيناتورات يذهبون الى ولاياتهم ومنتجعاتهم وكلينتون تعلم درسا هاما: حتى القائد الذي يحظى بالشعبية لا يستطيع دائما فرض نفسه على الواقع.
          هذه عبرة مشابهة لتلك التي تعلمها اوباما وبنيامين نتنياهو في الاشهر الاخيرة من خلال الحوار الصعب الذي اجرياه معا الى ان وصلا الى نقطة اتفاق جزئية فقط في هذا الاسبوع. ميتشل الذي تميز دائما بحذره الموضوعي حصل على فرصة اخرى لمساعدة الرئيس حتى يخرج عن الشجرة العالية رويدا رويدا. على الطريق يبدو انه ساعد رئيس وزراء اسرائيل ايضا. كلاهما ارتكبا الاخطاء في الاشهر الاخيرة: اوباما الذي شخص بصورة صحيحة ان المستوطنات هي نقطة ضعف اسرائيل – نقطة يصعب الدفاع عنها امام الجمهور – ضغط بصورة مفرطة ولهجة حازمة جدا الى ان اثار عليه حتى عددا من الكارهين للحركة الاستيطانية. نتنياهو الذي أمل باعادة صياغة القاموس السياسي وحذف عبارة "الدولتين" اكتشف ان ثمن هذه الافعال اللفظية لا يبرر المكسب الذي ستتمخض عنه.
          في هذا الاسبوع جرت بين نتنياهو وميتشل محادثة موضوعية جدا. مفاوضات تجار. في الواقع كان هذا نفس مبدأ نتنياهو القديم "ان اعطوا – اخذوا" – الا انه ليس موجه في هذه المرة للشريك الفلسطيني وانما للحليف الامريكي. اوباما يتفاخر طوال الوقت بأن ادارته "براغماتية"؟ هذا يعني ان من الممكن اجراء محادثة براغماتية معه: اعطيني الثمن فأعطيك التجميد. مستشار نتنياهو الاكبر عوزي اراد يبذل قصارى جهده منذ مدة من الزمن لتشخيص الروافع التي يمكنها ان تدفع ادارة اوباما للادراك بأن لكل مطلب وكل خضوع ثمنه. ولان الولايات المتحدة هي ساحة الحوار الاساسية بالنسبة له فقد اقترح اراد منصب النائب – نائب رئيس مجلس الامن القومي – على اختصاصيين امريكيين يعرفان الساحة الامريكية جيدا. جيرمي يسسخاروف الذي كان رقم اثنين في سفارات اسرائيل في الولايات المتحدة والذي يمكنه ان يمد المجلس ورئيسه بمعلومات حديثة آتية من واشنطن.
          على طريق انابوليس
          في الاتفاقيات الانتقالية بين نتنياهو – ميتشل في هذا الاسبوع زرعت بذور الشغب القادم. السبب: ليس من المؤكد ان نتنياهو يستطيع توفير البضاعة التي يعد بها – المستوطنون سيحاولون بالتأكيد الالتفاف على التجميد الموسع الذي وافقت عليه اسرائيل ومعارضة كل عملية اخلاء. كما ان الاتفاق المبهم بصدد شرقي القدس ينطوي على المشاكل – الامريكيون وافقوا على ان لا "تجمد" القدس، ولكنهم "ادركوا" بأن اسرائيل ستحرص على عدم المبالغة في الاستفزازات. هذا يعني في الواقع ان الجمعيات اليمينية وانصارها سيحاولون الان احراج الحكومة قدر المستطاع من خلال شراء المنازل وادخال المستوطنين اليها (بالامس اجرى احد المتبرعين الكبار لهذه الجمعيات محادثة هاتفية وعد فيها بتكثيف الوتيرة) وان الفلسطينيين سيواصلون التوقع من الحكم الامريكي بأن يطلق صافرته في كل مرة تحدث فيها مخالفة كهذه.
          ولكن بالنسبة لاوباما ايضا: ليس من المؤكد انه يستطيع توفير البضاعة ايضا. في الواقع الرئيس الامريكي يشبه من وعد اسرائيل بمجموعة من المنتوجات التي توجد لها بطاقة ارسالية تبرهن عن ان نتنياهو هو الذي يجب ان يحصل عليها الا انها ليست موجودة في المخازن بعد. بكلمات اخرى: تنفيذ وعود ميتشل لنتنياهو – وهي في الواقع "تحديدا للاهداف" اكثر من كونها "وعودا" مغلقة – يعتمد على تنفيذ الوعود التي اعطتها دول اخرى لاوباما. في الساحة الفلسطينية يتعلق الامر بتلميحات اعطتها قطر والمغرب والعربية السعودية. وفي ساحة الصراع ضد ايران يتعلق الامر بوعود اكثر تعقيدا، على سبيل المثال من الروس، التي ستتضح جديتها خلال الحراك وبعد اجتماع الامم المتحدة في ايلول. كل هؤلاء زبائن أشداء لديهم مصالحهم وحساباتهم المتغيرة.
          السعوديون على سبيل المثال رفضوا في الماضي توجهات من الولايات المتحدة لابداء لفتات رمزية تطبيعية مع اسرائيل. وعدوا الامريكيين كبادرة نوايا طيبة لدعم المبادرة السياسية بخطوة غير موجهة نحو اسرائيل وانما للسلطة الفلسطينية. ان فعلت اسرائيل ما اعلم الامريكيون السعوديون بانهم سيحاولون انجازه، سيحول السعوديون للسلطة تبرعا – اغلبيته مال كانوا قد وعدوا به الا انه يرسل نقطة نقطة واحيانا لا يرسل بالمرة. سيكون بامكان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض دفع خطته للامام التي طرحها في هذا الاسبوع لاقامة دولة فلسطينية خلال عامين. هذه للوهلة الاولى بشارة مباركة الى ان مصدر تقييم اسرائيلي شكك في الامر كثيرا. صحيح ان الرياض ليست معنية بخصومة علنية مع واشنطن ولكن التجويع المنهجي الذي تمارسه بحق السلطة الفلسطينية من الناحية الاخرى ليس صدفة او مجرد خلل. هذا اسلوب السعودية لاجبار فتح وحماس لبذل جهود اضافية لاقامة الوحدة بينهما – ومن المفضل ان تكون وحدة خاضعة لنفوذ السعودية ومبتعدة عن ايران.
          ومثل الوعود السعودية،، وعود الروس ايضا هي وعود محدودة الضمان، بعد ان يتضح نهائيا كما يظهر من الان ان لا احتمالية لحدوث انطلاقة بواسطة سياسة التفاوض مع القيادة الايرانية. خلال زيارة اوباما لموسكو لم يكن هناك تعهد روسي وفي المحادثات اللاحقة اطلقت اشارات باتجاه ايجابي الا ان مسؤولي اوباما حذروا من عدم المسارعة في تصديق هذه التلميحات. قبل مدة غير بعيدة طلب الخبير رقم واحد من ادارة اوباما لشؤون انتشار السلاح النووي غاري سامور من اسلافه في ادارة بوش سماع رأيهم بصدد المباحثات مع الروس في قضية العقوبات. سامور كما يجب القول ليس شخصا مبتدئا في الاتصالات مع الروس وليس ايديولوجيا شديد المراس. هو خدم من دون صعوبة كبيرة في الادارات الجمهورية مثل رونالد ريغن والديمقراطية مثل كلينتون. عندما جلس لاجراء محادثة مع احد اتباع جورج بوش تلقى منه النصيحة التالية: لاحظ ان الروس دائما يعدون بشيء ما "بعد ستة اشهر". لحظة تنفيذ الوعد ولسبب ما لا تحل بالمرة.
          دروب كل التجار المخادعين الملتوية هذه ستتقاطع في النصف الثاني من شهر ايلول. الولايات المتحدة ستكشف في مباحثات مع اعضاء مجلس الامن ما هو ممكن وما ليس ممكنا القيام به بصدد المشروع النووي الايراني، وسيتضح لاسرائيل ما هي "اللفتات" التي ستقوم بها دول عربية نحوها مقابل التجميد المؤقت للاستيطان، وسيتضح للفلسطينيين بأنهم لا يستطيعون مواصلة رفض العودة الى المفاوضات من دون "التجميد التام" – وفي الواقع نزل رئيس السلطة ابو مازن عن الشجرة في هذا الاسبوع عندما صرح اتباعه علانية انه "مستعد" للالتقاء مع نتنياهو في الامم المتحدة بعد يومين او ثلاثة من اللحظة التي بدى فيها وعلى لسان الناطق باسمه نبيل ابو ردينة انه يستبعد اي امكانية كهذه كليا. التفسير الذي اعطي للانعطافة الفلسطينية يمكن تدريسه في حلقة نقاش حول التغيرات اللغوية: هم يوافقون على "لقاء" ولكن ليس على "التفاوض". خطوة صغيرة من رئيس السلطة وخطوة صغيرة من اوباما استكملت مسار تحليق "خطته السلمية" – بمرافقة مؤتمر قد حظي في الاوساط السياسية الاسرائيلية باسم "اوبابوليس" على اسم الرئيس اوباما ومؤتمر انابوليس الذي عقده بوش ورايس. في هذه المرة مثل انابوليس سيحتفل العالم بحدث بسيط جدا: العودة للمفاوضات.
                                          عن صحيفة معاريف 28/8/2009 (بتصرف)

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.