تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الكذاب نتنياهو يعود الى كذبه

 

عندما دخل لمنصب رئيس الوزراء في المرة الاولى كان عمر نتنياهو في المجمل 47 عاما. عندما طرد من هناك كان عمره اقل من الخمسين. رجل شاب ضيع فرصة عمره التي لا تتكرر لرسمه ملامح التاريخ.
          هذا حدث ليس لانه كان رئيس وزراء سيء جدا. الامور كانت معقولة في المجمل والوضع الامني تحسن، والاقتصاد لم ينهار والحرب لم تندلع (وان كان السلم قد توقف). هذا حدث له بسبب سلوكه وتعامله مع الامور. بسبب ثقافة الكذب.
          "الكذاب" هكذا نعت بيبي في أواخر تلك الفترة وكانت هناك ايضا ملاصقات اعلانية وصورة بصرية ولكن خلال الحديث يزداد أنف رئيس الوزراء استطالة وامتدادا. الجمهور الاسرائيلي سئم نهجه المثير للخصام والنزاعات. في ذلك الحين لم نكن نعرف بعد ان ايهود باراك سيجلب لنا مناخا اكثر نزاعا وخصاما، ولكن ذلك ينتمي لفصل مختلف تماما.
          وها هي الفرصة التي لا تتكرر تعود مرة اخرى. هكذا هو الحال في اسرائيل . حتى القبر السياسي يعتبر مسكنا مؤقتا. نتنياهو حصل على فرصة اخرى. فهل استخلص نتنياهو العبر مما أنزله على رؤوسنا حينئذ؟ يبدو ان الجواب هو لا.
          اليكم حكاية صغيرة تجسد بصورة ممتازة كيف كان الامر ذات مرة: رئيس الوزراء نتنياهو توجه الى مؤتمر دولي كبير في اطار "عملية برشلونة" في عام 1996 وربما 1997 في بداية فترته الرئاسية. المؤتمر عقد في قاعة مؤتمرات باهرة، الزعماء احتشدوا هناك متنقلين بين لقاء واخر والصحافة تندفع من ورائهم. نتنياهو عقد هناك عددا كبيرا من اللقاءات الماراتونية مع قادة العالم وزعمائه. هو تأخر عن اغلبية هذه اللقاءات وفي بعض الاحيان كان التأخير قاسيا.
          كان هناك لقاء مع رئيس فرنسا في ذلك الحين جاك شيراك حيث قام نتنياهو والناطقون باسمه في ختام هذا اللقاء بالادلاء بتصريح للصحافة. قيل لنا ان بيبي القى امام الرئيس الفرنسي خطابا لاذعا ملتهبا ووجه الملاحظات له واوضح الامور له واطلق امامه كل ما تملكه الجعبة الاسرائيلية من رسائل دون مواربة.
          "وما الذي قاله الرئيس شيراك؟" سألنا. "شيراك أصغى بالاساس" برافو. انتصار اعلامي جديد لنتنياهو ولاسرائيل وللصهيونية. وسائل الاعلام اصغت سجلت امامها وواصلت طريقها.
          وحينئذ بالخطأ وجدت وسائل الاعلام نفسها في مكتب صغير يعود لوكالة الانباء الفرنسية. دخل الاعلاميون الى هذا المكتب للحظة وثرثروا مع عدد من زملائهم ليكتشفوا ويا للمفاجأة ان هناك تسجيلا رسميا للمحادثة قام الفرنسيون بالسماح بنشره (الذين كانوا مستضيفي المؤتمر ايضا) عن لقاء شيراك – نتنياهو. وما الذي تضمنه ذلك التسجيل الرسمي؟ كما جاء في بيان رئيس الوزراء بالضبط ولكن بصورة معكوسة. شيراك نظّر على نتنياهو والقى عليه خطابا شديد اللهجة وصرخ وعربد تقريبا. فما الذي فعله بيبي؟ اصغى له بالاساس.
          نتنياهو احتاج اشهرا قليلة حينئذ لفقدان الثقة به كليا. وعلى الطريق سقط عدد غير قليل من الشهداء. كان هو ناطق متفان مخلص سار معه طوال الطريق في الصحراء واجبر على الانتحار من اجله والقى بجسده على الجدار. ولكن بعد ذلك القوه للكلاب.
.
          وها هي عشر سنوات تمر منذ ان اقيل من رئاسة الوزراء، وها هو يجد نفسه الان في نفس الفيلم تقريبا. في هذه المرة ايضا الوضع ليس سيئا في آخر المطاف. الوضع على ما يرام. الاقتصاد ينتعش. حتى الامريكيين أرهقوا. نتنياهو موجود اليوم من الناحية السياسية والداخلية في مكانة غير سيئة بالمرة. من الناحية الاخرى ما زال سلوكه ونهجه الاداري قائما. الفوضى، الاكاذيب، الفضائح، والغطرسة. في يوم الاربعاء عند منتصف الليل عندما ادرك ان البيت يشتعل اطلق نتنياهو بيانا جديدا لوسائل الاعلام مشينا اكثر من كل البيانات السابقة. البيان الجديد اسقط ملف الجلبة التي اثيرت حول الرحلة السرية لروسيا وستار الاكاذيب الذي تلاهى على كاهل الجنرال مئير كليفي السكرتير العسكري. هو المذنب. هو كذب بقرار ذاتي منه وفقا للبيان، كليفي صاغ الخبر الكاذب المذكور على مسؤوليته وقال فيه ان نتنياهو نزل في منشأة عسكرية
 
                                                        صحيفة معاريف11/9/2009

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.