تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الطلاق الإلكتروني بين الشريعة والقانون:

 


الطلاق واقعة مؤلمة وفاجعة مدمرة على الأسرة والمجتمع, لما له من آثار على اللبنة الأساسية في المجتمع وخصوصاً الأطفال. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أباح الطلاق وأجازه للضرورات الملحة وجعله أبغض الحلال إليه, ووضع من  التدابير والإجراءات والقيود كالهجر والتحكيم والعدة, ما يحاول لأقصى قدر ممكن التقليل من اللجوء إليه كوسيلة لحل النزاعات الأسرية؛ وإذا كانت التكنولوجيا قد ساعدت على التلاقي وسهولة والتواصل، فإنها في المقابل سمحت من خلال أدواتها للرجل في التعبير عن إرادته ورغبته بالطلاق كأن يرسل إلى زوجته رسالة إلكترونية عبر البريد الالكتروني أو رسالة نصية عبر الهاتف النقال أو عبر "الفايبر" أو "الواتس أب" أو "السكايب" يخبرها بأنه طلقها.

وقد يتساءل البعض عن جواز ذلك أو مدى إمكانية وقوعه، خاصة أن الصحف كثيراً ما تنشر مثل هذه الوقائع تحت باب الطرائف أو التسلية دون الوقوف جدياً على أهمية هذه الواقعة ودراسة الآثار القانونية وموقف الشرع منها، وما هي حجية هذا الطلاق أمام القانون والقضاء؟ 

فالطلاق كما هو معروف إنهاء للحياة الزوجية، وهو يقع بكل لفظ يدل عليه سواء أكان صريحاً أم كان لفظ كناية؛ فالصريح هو كل لفظ لا يستعمل إلا في الطلاق غالباً بحيث يفهم السامع حين سماعه هذا اللفظ أن الزوج طلق زوجته،  كقول الرجل لزوجته (أنت طالق). أما لفظ الكناية فهو كل لفظ يحتمل معنى الطلاق ومعنى آخر لم يوضع أصلاً لهذا المعنى فقط، بل استعمل فيه، كناية كقول الرجل لزوجته (أذهبي لبيت أهلك واعتدي, أو أنت برية أو حرة, أو لا تعودي إلى بيتي أبداً). وقد بيّن الفقهاء الفرق بين الحالتين: فالطلاق الواقع باللفظ الصريح يقع دون حاجة إلى نية، فإنْ ادعى الرجل أمام القضاء وقال لم أنوي الطلاق لم يقبل منه, أما في الحالة الثانية وهي استعمال ألفاظ الكناية، فقد اختلاف الفقهاء في وقوع الطلاق إلى ثلاثة آراء:

1ـ رأي يقول إن الطلاق يقع بلفظ الكناية إذا نوى الرجل الطلاق.

2ـ ورأي يقول إن الطلاق لا يقع بلفظ الكناية، بل لابد لوقوعه من اللفظ الصريح الدال عليه لغة.

3 ـ أما الرأي الثالث فيقول بوقوع الطلاق بالكناية التي تحمل معنى الطلاق وغيره بالنية. فقالوا إن دلالة الحال تقوم مقام النية، أي إذا كان الرجل في حالة غضب أو نزاع مع زوجته وتلفظ  لفظ كناية يحتمل الطلاق وغيره، وقع الطلاق، وتعتبر دلالة الحال كالنية. وقد نص قانون الأحوال الشخصية  السوري في المادة /87/ منه على إنه: "يقع الطلاق باللفظ وبالكتابة". فالقانون ساوى بين اللفظ والكتابة في الطلاق. وقد تكون الكتابة أقوى في الدلالة من حيث الثبوت من اللفظ وهو  في المادة /93/ منه أشار إلى إنه: "يقع الطلاق بالألفاظ الصريحة عرفاً دون حاجة نية, ويقع بألفاظ الكناية التي تحمل معنى الطلاق وغيره بالنية". 

ولما كان القانون رقم /3/ لعام 2014 قد نص، في المادة /4/ منه على إنه: "تعد الوسائل الإلكترونية طريقة مقبولة للتعبير عن الإرادة لإبداء الإيجاب أو القبول بقصد إنشاء التزام أو تعديله أو نقله أو إلغائه"، فإن السؤال يطرح هنا؛ هل يقع الطلاق إذا تم التعبير عنه بإحدى الوسائل الإلكترونية على الرغم من استثناء القانون رقم /3/ لعام 2009 لمسائل الأحوال الشخصية من أشكال التعبير عن الإرادة المعتبرة قانوناً في هذا المجال؟  في الحقيقة لقد بحث علماء الشريعة الموضوع وانتهوا إلى رأيين في ذلك:

الرأي الأول: يقول إن الطلاق بالوسائل الإلكترونية يقع ولكن ضمن شروط وضوابط دقيقة وقد استندوا في رأيهم إلى أدلة شرعية مفادها أن كتابة الدين تعني الإقرار به وأن النبي (ص) قد دعا الملوك إلى الإسلام بالكتابة واعتبار ذلك حجة عليهم وهو لم يشافههم بذلك. وبالتالي فإن التعبير عن الطلاق بهذه الوسائل يقع إذ نطق به الإنسان عند كتابة الرسالة في الحاسب أو الهاتف وكان قاصداً ذلك ومدركاً لمضمونه مختاراً غير مكره على ذلك. فإذا ثبت المراد ووصلت الرسالة إلى المرأة وتأكدت من أن المرسل هو زوجها فإن الطلاق يقع.

الرأي الثاني: وهو ميز بين نوعين من الطلاق الإلكتروني:

الأول: الطلاق الواقع مشافهة والذي يعبّر عنه باستخدام وسائط "الملتي ميديا" مثل "السكايب" أو "الفايبر" وينطق الرجل فيه لفظ الطلاق، فإنه يقع حالاً دون حاجة إلى اشهاد أو موافقة الزوجة أو حضورها. الثاني: الطلاق الذي يقع بالكتابة ويكون باستخدام الزوج البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية فالطلاق يقع، ويعتبر في حكم الطلاق بألفاظ الكناية المشار إليها سابقاً؛ فالكتابة عند هذا الفريق من الفقهاء تفتقر إلى النية.

        وبما أن القانون السوري لم يتطرق إلى هذه الحالة بالنص، فإن القواعد العامة تطبق. فإذا ادعت الزوجة أنها تلقت رسالة أو اتصالاً من زوجها يفيد بوقوع الطلاق، وحتى يصبح هذا الطلاق حقيقة قانونية ينبغي عليها مراجعة المحكمة الشرعية بدعوى إثبات الطلاق. وبعد تبليغ الزوج عريضة الدعوى بالطرق المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية  وحضوره أو وكيله أمام المحكمة، يسأل عن هذا الطلاق، فإذا أقر بأنه هو من أرسل الرسالة أو البريد الإلكتروني فإن الطلاق يقع عملاً بالمادة /99/ من قانون البينات السوري. أما إذا أنكر الرجل الواقعة فإن للقاضي تحليفه اليمين، فإن حلف بعدم  صدور الرسالة منه، فإن الطلاق لا وجود له، وإن كان بعض الفقه يقول بجواز اعتبار الرسالة واقعة مادية يجوز إثباتها بالشهادة عملاً بالمادة //2 من القانون رقم /3/ لعام 2014 الناظم للمعاملات الإلكترونية والمادة /13/ من القانون رقم /4/ لعام 2009.

وأخيراً، وعلى الرغم من رغبتنا الجامحة في نشر المعلوماتية في حياتنا المعاصرة وبصرف النظر عن اجماع الفقهاء على إمكانية وقوع الطلاق بالوسائل الإلكترونية، فإننا نرى في القبول بهذا الشكل من التعبير عن الإرادة في هذا المجال، هو امتهان لكرامة المرأة وحطّ من قدرها، ومن مؤسسة الأسرة برمتها. ونتفق مع الرأي الفقهي القائل بضرورة إتباع ذات الإجراءات في الطلاق التي اتبعت عند عقد القران من إشهاد وحضور للأولياء. فالله سبحانه وتعالى إنما أباح الطلاق للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وليست لهواً أو عبثاً أو مزحة للعابثين بمصائر الخلق. ومعارضتنا للرأي السابق إنما هي من باب سد الذرائع، فلا تبقى الزوجة سنين طوال لا تعرف مصيرها مطلقة أو غير مطلقة لمجرد أن أحب الرجل أن يرسل لها رسالة عبر الإنترنت تتضمن بكل بساطة أنها طالق. فهل يمكن للمشرّع أن يتبنى هذا العبث بحياة المرأة وأطفالها؟ سؤال برسم الشارع.    

 

 

 

    

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.