تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لم تحدد إذا كان مفيدا أم مضرا.. باحثون أميركيون استخدام الهاتف الجوال يسرع نشاط المخ

 

محطة أخبار سورية
نيويورك: تارا باركر بوب *
توصل باحثون من «المعهد الصحي الوطني في الولايات المتحدة إلى أن التحدث لمدة أقل من ساعة عبر الهاتف الجوال يمكنه الإسراع من نشاط المخ داخل المنطقة الأقرب إلى الهوائي الخاص بالهاتف، مما أثار تساؤلات جديدة حول التأثير الصحي للمستويات المنخفضة من الإشعاعات الصادرة عن الهواتف الجوالة.
 
وحث باحثون بقيادة دكتورة نورا دي. فولكو، مديرة «المعهد الوطني لمكافحة الإدمان»، على ضرورة توخي الحذر في تفسير نتائج الدراسة، لأنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت التغييرات التي طرأت على المخ تترك تأثيرا ملموسا على مجمل الحالة الصحية للشخص.
 
لكن الدراسة، التي نشرت في «دورية الاتحاد الطبي الأميركي»، تعد واحدة من أوليات وكبريات الدراسات التي وثقت إمكانية تغيير إشارات الراديو ضعيفة التردد الصادرة عن الهواتف الجوالة لنشاط المخ.
 
من جهتها قالت الدكتورة فولكو: «تنبع أهمية الدراسة من أنها توثق أن المخ البشري حساس إزاء الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهواتف الجوالة، كما أنها تسلط الضوء على أهمية إجراء دراسات لتناول مسألة ما إذا كان هناك تداعيات طويلة الأمد للتحفيز المتكرر لنشاط المخ على امتداد فترة 5 أو 10 أو 15 عاما».
 
ورغم أنها لا تزال أولية فمن المؤكد أن هذه النتائج ستثير مجددا الجدال حول سلامة استخدام الهواتف الجوالة. يذكر أن بضع دراسات تعتمد على الملاحظة ربطت بين الاستخدام المكثف للهواتف الجوالة ونمط نادر من أورام المخ، لكن الغالبية العظمى من الأدلة العلمية المتوافرة لا تشير لوجود مخاطر صحية إضافية وراء استخدام الهواتف الجوالة. وقد أعلنت منظمات طبية كبرى أن الهواتف الجوالة آمنة، لكن بعض كبار الأطباء، ومنهم المدير السابق لمركز أمراض السرطان التابع لجامعة بتسبرغ، وعدد من كبار جراحي المخ والأعصاب، حثوا على استخدام سماعات كإجراء احترازي.
 
من ناحية أخرى أكدت الدكتورة فولكو أن البحث الأخير أولي ولا يتناول مسائل تتعلق بالسرطان أو قضايا صحية أخرى، لكنه يثير تساؤلات جديدة حول المجالات البحثية المحتملة لتفهم التداعيات الصحية لتنامي نشاط المخ الناجم عن استخدام الهاتف الجوال.
 
واستطردت نورا بأنه «للأسف، لا تكشف هذه الدراسة الكثير عما إذا كان هذا الأمر مضرا بالصحة أم أنه قد يحمل فوائد صحية، وإنما كل ما تخبرنا به أنه رغم أن هذه الإشارات ضعيفة فإنها تنشط المخ البشري».
 
وقد أعلنت مؤسسات طبية كبرى، بينها الجمعية الأميركية للسرطان والمعهد الوطني للسرطان وإدارة الأغذية والعقاقير، أن البيانات المتوافرة حاليا بخصوص الهواتف الجوالة وتأثيرها على الصحة مطمئنة، خصوصا دراسة أوروبية كبرى نشرتها منظمة الصحة العالمية العام الماضي ولم تتوصل لارتفاع في مخاطر الإصابة بأورام نادرة في المخ بين مستخدمي الهواتف الجوالة.
 
وعندما طلب منها التعليق على أحدث الدراسات الصادرة بهذا الشأن، أصدر اتحاد اللاسلكيات (سي اي تي إيه)، وهو منظمة رائدة بمجال صناعة الهواتف الجوالة، بيانا أكد فيه أن دراسات حديثة أكدت عدم ارتباط استخدام الهاتف الجوال بزيادة في مخاطرة الإصابة بالسرطان. وقال جون والز، نائب رئيس الشؤون العامة بالمنظمة، إن «الأدلة العلمية تشير بقوة إلى أن الأجهزة اللاسلكية المتوافقة مع المعايير المقررة من جانب اللجنة الفيدرالية للاتصالات، لا تحمل مخاطر صحية أو تسبب تداعيات صحية سلبية»، مضيفا أن جميع المنظمات الصحية العالمية «اتفقت في الرأي على أن الأجهزة اللاسلكية لا تحمل مخاطر على الصحة العامة». لكن البحث الجديد يختلف عن الدراسات القائمة على الملاحظة التي أجريت حول استخدام الهواتف الجوالة. خلال دراسة دكتورة فولكو استخدم الباحثون أجهزة مسح المخ لقياس حجم تأثير الإشعاعات الهرومغناطيسية المنبعثة من الهواتف الجوالة على نشاط المخ بصورة مباشرة.
 
وطلبت الدراسة، التي أجريت عام 2009، من 47 متطوعا الخضوع لتصوير مقطعي بالإصدار البوزيتروني لقياس أيض الجلوكوز في المخ، والذي يعد مؤشرا على نشاط المخ. وقد تم وضع هاتف جوال عند كل من أذنيه، ثم خضع للتصوير المقطعي لمدة 50 دقيقة لمرتين.
 
خلال واحدة من عمليات المسح أغلقت الهواتف الجوالة، لكن خلال عملية تصوير أخرى تم تنشيط الهاتف الموجود بجانب الأذن اليمنى لتلقي مكالمة في صورة رسالة مسجلة، لكن مع إغلاق الصوت لتجنب التحفيز السمعي.
 
وتوصلت الدراسة إلى أن فتح أو غلق الهاتف لم يؤثر على مجمل عملية الأيض داخل المخ، لكن عمليات المسح توصلت إلى حدوث زيادة بنسبة 7 في المائة في نشاط الجزء الأقرب من المخ إلى هوائي الهاتف الجوال. وحملت نتائج الدراسة أهمية إحصائية، حسبما ذكر الباحثون. وأشاروا إلى أنه من غير المحتمل أن يكون النشاط مرتبطا بالحرارة الصادرة عن الهاتف الجوال لأنه وقع قرب الهوائي وليس قرب النقطة التي يلامس عندها الهاتف الرأس.
 
في ما مضى جرى تجاهل أي مخاوف حيال التداعيات الصحية لاستخدام الهواتف الجوالة في الجزء الأكبر منها لأن موجات ترددات الراديو الصادرة عن الأجهزة يعتقد أنها غير ضارة. وتتسم الإشعاعات الصادرة عن الهواتف الجوالة بدرجة بالغة من الضعف لا تمكنها من كسر الروابط الكيماوية أو الإضرار بالحامض النووي على النحو المسبب لأمراض السرطان. وأكد علماء مرارا أنه لا توجد آلية بيولوجية معروفة يمكنها تفسير إمكانية أن تسفر إشعاعات غير مؤينة إلى الإصابة بالسرطان أو مشكلات صحية أخرى. إلا أن الدراسة الجديدة تفتح مجالا محتملا جديدا تماما للبحث. ورغم أن زيادة أيض الجلوكوز في المخ يحدث خلال عمل المخ الطبيعي، فإن التساؤل يبقى ما إذا كان التحفيز الاصطناعي جراء التعرض لإشعاعات كهرومغناطيسية قد يترك تداعيات ضارة.
 
وتشير إحدى الفرضيات المتعلقة بإمكانية أن تكون الزيادة الاصطناعية في أيض الجلوكوز بالمخ ضارة إلى أن ذلك قد يؤدي إلى خلق جزيئات يطلق عليها راديكالات حرة، والتي حال الإفراط بها قد تدمر الخلايا الصحية. أو قد يكون التحفيز المتكرر من جانب إشعارا كهرومغناطيسيا يستثير استجابة قوية يعتقد البعض أنها مرتبطة بعدد من المشكلات الصحية، بينها السرطان.
 
وقوبلت الدراسة التي أوردتها الدورية في باب «الاتصالات الأولية»، بحماس من جانب الباحثين المعنيين بأمراض السرطان وآخرين مهتمين بالتأثيرات الصحية للهواتف الجوالة، نظرا لمصداقية الباحثين القائمين عليها والأساليب الدقيقة التي اتبعوها.
 
وقال لويس سلسين، رئيس تحرير «ميكروويف نيوز»، وهي نشرة تتناول التأثيرات الصحية للإشعاعات الكهرومغناطيسية: «إنه فريق رفيع المستوى يحظى بتقدير كبير، وقد كشفوا أن الإشعاعات تخلف تأثيرا على المخ، بينما كان الاعتقاد السائد داخل صناعة الهاتف الجوال أنه لا يترك أي تأثير. الآن كشفت الدراسة أن الهاتف الجوال يترك تأثيرا، والخطوة التالية هي كشف ماهية هذا التأثير وما إذا كان ضارا».
 
وقال دكتور رونالد بي. هربرمان، المدير السابق لمعهد بتسبرغ للسرطان والرئيس الحالي لـ«إنتركسون كوربوريشن» العاملة بمجال التقنية الحيوية في جيرمانتاون في ولاية ماريلاند: «أعتقد أنها دراسة جيدة للغاية، وقد أظهرت بالفعل وجود نشاط بيولوجي في الخلايا العصبية بالمنطقة الأقرب من المخ للهوائي». وأشار إلى أن المتشككين في مخاطر الهواتف الجوالة ركزوا على حقيقة أن نمط الإشعاعات الصادرة عن هذه الأجهزة ضعيفة بدرجة لا تسمح لها بكسر الروابط الكيماوية، وبالتالي يتعذر من الناحية المنطقية إدانتها بالتسبب في السرطان. إلا أن البحث الجديد يوحي بإمكانية مرور السرطانات وأمراض أخرى عبر سبيل مختلف.
 
وأضاف هربرمان: «أعتقد أن ذلك يمثل اتجاها جديدا أمام البيولوجيين للتعرف على حقيقة ما يجري».
 
وفي مقال رافق الدراسة داخل الدورية، قال هنري سي. لاي، بروفسور الهندسة الحيوية بجامعة واشنطن، الذي أثار منذ أمد بعيد المخاوف حيال سلامة استخدام الهاتف الجوال، إنه يأمل أن توسع هذه البيانات دائرة اهتمام الأبحاث المرتبطة بالصحة.
 
وقال لاي: «النقطة الأساسية أن الدراسة تعزز المخاوف المتعلقة باستخدام الهاتف الجوال وإمكانية أن يفاقم ذلك المخاطر الصحية. يشعر الجميع بالقلق حيال الإصابة بسرطان في المخ، ولا يزال التساؤل في هذا الشأن مطروحا. في الواقع هناك الكثير من الدراسات تكشف وجود ارتباط بين إشعاعات الهاتف الجوال بتطورات أخرى، مثل اضطرابات النوم. لكن لم يكن هناك اهتمام عام كبير بمثل هذه الأنماط من الدراسات».
 
وقالت فولكو إن الأبحاث المستقبلية قد تكشف إمكانية استغلال الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهواتف الجوالة في تحفيز المخ لأغراض علاجية. لكنها أكدت أنه لا داعي لأن تثير مثل هذه الدراسات القلق لأن الإجراءات الاحتياطية مثل استخدام سماعة للهاتف يمكنها تقليل أي مخاوف. وأكدت أن الدراسة: «لا تنفي أو تقلل بأي صورة من الصور أهمية الهاتف الجوال».
 
* خدمة «نيويورك تايمز»

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.