تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"صفقة العصر" الروسية - الصينية: تحالف "الرفاق" يغيّر قواعد اللعبة الكبرى !

 بعدما عرضت السفير لتاريخ العلاقات في الخمسين سنهة الأخيرة من القرن الماضي، أفادت أنه، كان واضحاً بالأمس أن تلك الوقائع المثيرة التي كشفت عنها صحيفة "الشعب" الصينية في العام 2010 - من بين وقائع أخرى حول التوتر الصيني - السوفياتي وأبرزها معلومات عن اتفاق اميركي - سوفياتي لتوجيه ضربة نووية للصين في العام 1964 ـ قد أصبحت صفحة مطوية في تاريخ العلاقة بين الدولتين العظميين، فاتفاق الغاز الضخم الذي رعاه الرئيسان بوتين وجين بينغ في شنغهاي قد جاء ليكرّس تحالفاً وثيقاً، فرضه تقاطع مصالح في ظل "حرب باردة" جديدة تتوزع جبهاتها بين اوكرانيا وسوريا غرباً وبحر الصين شرقاً.

"هي صفقة العصر". هكذا وصف بوتين اتفاقية الغاز التي وقعت أمس الأول في شنغهاي، والتي تعد الأضخم من بين الصفقات التي أبرمتها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

ولفتت الصحيفة إلى قيمة الصفقة وإلى أنّ بعض بنودها من "الأسرار التجارية"، وأنّ الجانبين لم يكشفا عن سعر الغاز المصدّر بموجب الاتفاقية، وهي مسألة حساسة احتلت حيزاً اساسياً في المفاوضات التي بدأت حول الصفقة منذ قرابة 15 عاماً. وبحسب المراقبين فإن تلك النقطة كان يمكن ان تؤخر ابرام الصفقة أكثر من ذلك، لولا أن الطرفين توصلا إلى تسوية في اللحظات الأخيرة، فرضها تلاقي المصالح بينهما، في ظل الصراع القائم بين روسيا والغرب على خلفية الازمة في اوكرانيا من جهة، والتوتر المتصاعد بين الصين وجيرانها المدعومين من الولايات المتحدة (الفلبين، اليابان، فيتنام) على خلفية التنازع على جزر المحيط الهادئ وثرواته.

وبدا أنّ الرئيس الروسي كان مصراً على عدم العودة من شنغهاي بخفي حنين، فهو يريد استباق لقائه المرتقب مع الرئيس اوباما والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل في حزيران المقبل، بتغيير قواعد اللعبة، وإفهام الغربيين أن لديه خياراً آخر غير الاعتماد على الأوروبيين في ضخ العملات الصعبة إلى خزينته. ويبدو الغربيون متحرقين لمعرفة "السر التجاري" المتعلق بسعر الغاز موضوع "صفقة العصر" ـ أو بمعنى أصح الثمن الذي دفعه بوتين ـ وهو ما لم يفصح به "قيصر" الكرملين، مكتفياً بالقول إن "السعر مرضٍ للطرفين على حد سواء". وبانتظار الكشف عن هذا "السر التجاري" يبقى التباين بين التقديرات الروسية والصينية من جهة، والأوروبية من جهة ثانية، شاسعاً جداً.

ويرى غربيون أن الحاح بوتين على ابرام الصفقة من جهة، والمبلغ الضخم الذي قدمته الصين لتطوير البنية التحتية من جهة ثانية، يؤكدان أن ثمة تنازلات قدمها الرئيس الروسي للفوز بهذه الاتفاقية.  ورغم أن الغربيين يركزون على أن بوتين كان اكثر تحرّقاً لاتمام هذه الصفقة مقارنة بتشي جين بينغ، إلا ان الاتفاق يحقق أهدافاً مشتركة وملحّة لكلا الجانبين.

بالنسبة إلى روسيا، فإن من شأن صفقة الغاز أن تعطي دفعة قوية للاقتصاد، في ظل معطيات احصائية مثيرة للقلق، أبرزها توقعات من مراكز دراسة بحصول كساد اقتصادي في ظل نسبة نمو مقدّر بـ 0.2 في المئة خلال العام الحالي.

علاوة على ذلك، تفيد بيانات المصرف المركزي الروسي بنزوح حوالي 63.7 مليار دولار من روسيا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إجمالي الاموال النازحة خلال العام الحالي قد يصل إلى 150 مليار دولار، وهو ما يجعل من الصعب على روسيا الولوج الى الاسواق العالمية، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى تطوير بنيتها التحتية، مع اقتراب موعد استضافة مباريات كأس العالم في العام 2018. كذلك، فإن العقوبات التي بدأ الغربيون بفرضها على روسيا، على خلفية الأزمة في اوكرانيا، قد تفاقم هذا الواقع الاقتصادي المثير للقلق. وبالرغم من أن صفقة الغاز الروسية-الصينية لا يتجاوز حجمها السنوي ربع الصادرات الروسية لأوروبا (160 مليار متر مكعب في العام 2013)، إلا انها بالتأكيد ستمنح بوتين هامشاً واسعاً للمناورة، من خلال افهام الاوروبيين أنه يستطيع الاعتماد على زبائن آخرين.

وبالنسبة إلى الطرف الثاني في الاتفاقية(الصين)، فإن امدادات الغاز الروسي إلى المناطق الصناعية العطشى لمصادر الطاقة في شمال الصين، سيعطي التنين الآسيوي دفعة قوية في إطار تسريع النمو الاقتصادي، والحد من الاعتماد على الفحم الحجري ذي الأثر الكارثي على البيئة. ومن شأن حصول الصين على الغاز الروسي أن يقلل كذلك من اعتمادها على مصادر الطاقة في مناطق اخرى، وخصوصاً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، في ظل المخاطر الناجمة عن الاضطرابات السياسية والأمنية التي تؤججها الولايات المتحدة، ومحاولات العرقلة الأميركية على خطة "خيط اللؤلؤ"، التي تسعى بكين من خلالها إلى نشر اسطول حربي من بحر الصين الجنوبي إلى ايران. علاوة على ذلك، فإن "صفقة العصر" تعني بالنسبة إلى الصين تعزيز قوتها الاقتصادية على الساحة الدولية، من خلال توسيع نطاق توجهها المعتمد في علاقاتها مع دول افريقيا واميركا اللاتينية، والذي يمكن اختصاره على النحو التالي: "الموارد الطبيعية في مقابل البنية التحتية".

يأتي توقيع الاتفاق الصيني- الروسي في سياق مساعي التطبيع بين الدولتين العظميين بعد عقود من الصراع الايديولوجي. العلاقات الروسية – الصينية تتطور بخطى بطيئة وإنما واثقة. اتفق الجانبان على قضايا عدّة على الساحة الدولية (العراق، كوسوفو، سوريا... الخ)، وشكلا ركيزتين من الركائز الخمس لتجمع "البريكس" الذي يضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم. (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). اليوم يعزز الجانبان علاقاتهما الاقتصادية بما يسهم في تمتين شراكتهما الاقتصادية.

وبما أن السياسة هي "اقتصاد مكثف"، كما يرى كارل ماركس، يمكن القول إن الترجمة الجيوسياسية لـ"صفقة العصر" هي اتصال استراتيجي بين قوتين عظميين قد يغيران قواعد اللعبة الكبرى على مسرح العلاقات الدولية، ختمت السفير تقريرها.

وفي خبر آخر، أفادت السفير أنّ روسيا حصلت على أربعين عقدا تجاريا خلال زيارة بوتين إلى الصين. الأهم بين هذه العقود كان اتفاق الغاز، بقيمة 400 مليار دولار، ومن بين العقود ما له صلة بقطاعات المال والاستثمارات والطائرات والسيارات. ونشرت الصحيفة لائحة بأهم العقود.

بالمقابل، رأت افتتاحية القدس العربي: تحالف روسيا والصين وإيقاظ أشباح هتلر(في إشارة إلى تعليق ولي العهد البريطاني الذي شبه فيه بوتين بهتلر)، أنّ بوتين أقرب لنموذج هتلر مما نتصور وخصوصاً بعد تفعيل تحالفه مع تماثيل الشمع الصينية!  من حق العالم أن يخاف.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.