تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بوتين لن يسمح بهزيمة حلفائه.. وبرلين لن ترضخ في أوكرانيا:

              لا شيء في أفق الأزمة الأوكرانية يدعو للتفاؤل: بصيص الأمل الوحيد، الذي تطلب أشهرا من الوساطات، تم القضاء عليه الآن. التفاهمات الهشّة على حافة الانهيار، والمسؤولية تتقاذفها أطراف الصراع. وسط كل ذلك، ارتفعت لهجة التحدي إلى مستوى غير مسبوق. الكرملين توعّد بأنه لن يسمح بهزيمة متمردي الشرق الأوكراني، وبرلين الآن ترد بأنها لن ترضخ لسياسات روسيا. في الوقت ذاته، اتخذت حكومة كييف قرارا غير مسبوق بقطع التمويل الحكومي عن مناطق الانفصاليين. من الآن فصاعداً لا تمويل للخدمات ولا رواتب ومعاشات تقاعد، وعلى زعماء الانفصاليين عبء تأمين موارد عيش مناطقهم.

وأفاد تقرير خاص للسفير أنّ علامات اليأس ظهرت واضحة في كلام وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، بعد لقائه القيادة الروسية في موسكو الثلاثاء الماضي. قال شتاينماير، الذي لا يحب عادة العبارات القانطة، «لا يوجد سبب يدعو للتفاؤل في الوضع الحالي».

زيارة رئيس الديبلوماسية الألمانية جاءت في محاولة لمنع انهيار اتفاقية مينسك، التي أقرّت وقف إطلاق النار. هذه الهدنة كانت الاتفاق الوحيد الملموس بين يدي وسطاء الأزمة، والمنخرطين فيها، لكن توقيعه في بداية أيلول الماضي لم يوقف القتال إطلاقا.

ولفت التقرير إلى أنّ أهمية قضية قرار حكومة كييف بقطع التمويل الحكومي عن مناطق الانفصاليين لا تتعلق فقط بالأموال، على ضرورتها، بل تتصل بالرمزية الكبيرة التي تمثلها. وتقول القيادة الأوكرانية الآن لسكان المناطق الانفصالية أنها لم تعد مسؤولة عنهم، ما يكرس واقع انفصالهم عنها. يقف ذلك متناقضا مع إعلاناتها السابقة المصرة على «وحدة أراضي أوكرانيا».

هذه الأهمية الرمزية لم تخطئ بروكسل قراءتها، وكان واضحا أنها ليست راضية عما قام به بوروشينكو. هذا ما أكده مسؤول أوروبي رفيع المستوى، منخرط بالعمل على الملف الأوكراني في الاتحاد الأوروبي. وقال إن «العديد من وزراء الخارجية الأوروبيين غير موافقين على ما قامت به كييف، نحن أيضا لا نرى أن قطع التمويل هو خطوة حكيمة».

لتوضيح أسباب الرفض، اضطر المسؤول الأوروبي إلى المقارنة مع الوضع السوري. آخر شيء يفكر فيه الأوروبيون هو امتداح حكام دمشق، ومع ذلك شرح بأن «رغم خلافنا معه لكن النظام السوري يقوم بسياسة صحيحة، فإذا أردت أن تؤكد إصرار الدولة المركزية على وحدة أراضيها فمن المهم الاستمرار في تقديم التمويل للخدمات العامة، حتى لو كانت في المناطق تحت سيطرة خصومك».

في هذا الوقت تعاني كل من موسكو وكييف صعوبات اقتصادية. الاقتصاد الروسي يتضرر بوضوح من العقوبات الغربية، مع استمرار انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه الموازنة. وفي المقابل، يعيش الاقتصاد الأوكراني أزمة أشد بكثير، فهو يسير على حافة الانهيار منتظرا التمويل من قروض الغرب ومساعداته.

وفي صحيفة الأخبار، لفت ناهض حتر إلى أنّ التقاليد الروسية في تقديس القائد القومي قديمة؛ لكن أبطال روسيا المعبودين، من بطرس الأكبر إلى لينين إلى ستالين، لم يحظوا بالشعبية التي يتمتع بها بوتين الآن؛ ربما لأنه يمزج، في شخصه، كل هؤلاء؛ فهو، كقومي روسي ملتزم، يرى في حقبتي القيصرية والاتحاد السوفياتي، العظمة نفسها، ويريد، على نحو ما، استعادتهما معاً. بوتين أكثر من قائد قومي للروس. يبدو الابن الشرعي لروسيا الأم. ساحر يلهم شعبه حب الوطن والحياة والتحدي والأمل.  شعبية بوتين، بعد العقوبات الغربية، زادت إلى 72 في المئة، بينما يعلن 77 في المئة من الروس أنهم «سعداء»؛ لقد حسمت هذه الأمة العريقة، موقفها من الحياة، فهي وقفة عز.. والأولوية للكرامة! وينطوي هذا الموقف على طاقة مجتمعية ايجابية تنصرف إلى مبادرات عملية في شتى المجالات؛ إنها المحرك الوجداني للنهضة؛ ذلك المحرّك الجبّار الذي حطّمناه، في العالم العربي، بالعدمية الليبرالية والسلفية التكفيرية، والمحصلة هي اللامبالاة والحل الفردي وهجرة المبدعين ويأس المبادرين.

وختم حتر: روسيا ليست رأسمالية ولا امبرياليّة، بل هي دولة قومية ذات اقتصاد مختلط، تسعى للتقدم والرفاه، في مواجهة الامبريالية الغربية؛ ولذلك، فهي تعمل على انشاء منظومة اقتصادية عالمية بديلة، وعلى حماية استقلالها ومصالحها وحلفائها بالتشديد على سيادة القانون الدولي. ومن الواضح أن هذين المشروعين يلائمان مصالح الشعوب والدول خارج النادي الامبريالي، ما يجعل روسيا، مرة أخرى، قوة تقدمية، ومحركاً للبدائل الاستراتيجية على الصعيد العالمي.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.