تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مرة اخرى يبدأ عروضه الجماهيرية من صالة الشام

مصدر الصورة
SNS- العربية نت

 

يبدأ اليوم الجمعة في سينما الشام العرض الجماهيري لفيلم "مرة أخرى" اخراج جود سعيد وتمثيل المخرج عبد اللطيف عبد الحميد ثم ينتقل الى المحافظات ( حلب اللاذقية حمص ).
والفلم حاصل على جائزة أفضل فيلم عربي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في المسابقة الدولية لمهرجان دمشق السينمائي السابع عشر، وفيه يقدم مخرجه مقاربة فنية نقدية لاتحمل وجهة نظر رسمية للعلاقات السورية اللبنانية، عبر قصة حب ابن أحد الضباط السوريين في لبنان سابقاً، لمديرة بنك لبنانية في سوريا.
 
مرة أخرى من تأليف وإخراج جود سعيد، وبطولة قيس الشيخ نجيب وبياريت قطريب وعبد اللطيف عبد الحميد وكندة علوش وجوني كوموفيتش وعبد الحكيم قطيفان.
يختار المخرج السوري الشاب جود سعيد في فيلمه الروائي الطويل الأول "مرة أخرى" موضوعاً إشكالياً لايزال يثير جدلاً حتى اليوم هو موضوع العلاقات السورية اللبنانية، بدءاً من مرحلة الوجود العسكري السوري في لبنان، وإلى مابعد خروج الجيش السوري منه، ويحاول خلال مايقارب الساعة ونصف الساعة مناقشة هذه العلاقة التي مرّت بمراحل مضطربة وعاصفة بذهن هادئ وعقل بارد، وفي منطقة وسطى بين وجهة النظر اللبنانية المعارضة لهذا الوجود والتي طالما اعتبرته احتلالاً، ووجهة النظر السورية الرسمية التي كانت تسميه إنقاذاً ونجدةً، وهو في تفضيله لهذه الوسطية، لايختار الحياد ومحاولة إرضاء وجهتي النظر المتضادتين على طريقة تقبيل اللحى، بقدر مايحاول تأكيد الأخطاء السورية في لبنان، وتصور أثرها السلبي حتى على المجتمع السوري، لكنه في نفس الوقت يعتبر أن العلاقة بين البلدين تاريخية واستراتيجية وأزلية ومهمة لكليهما، إنما يجب أن تبنى على أسس صحيحة، ومن هنا أتت تسمية الفيلم "مرة أخرى".
 
تدور أحداث الفيلم خلال مرحلتين زمنيتين وفي مكانين مختلفين يحتاج مشاهد الفيلم إلى جهد ووقت لإدراكهما، وهذا أكثر عيوب الفيلم وضوحاً، الأولى في ثمانينيات القرن الماضي وتدور أحداثها على الأراضي اللبنانية، أما الثانية فبعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 وتدور أحداثها على الأراضي السورية، وفي كلتا المرحلتين يقدم الفيلم قصة الصبي ثم الفتى ثم الشاب مجد ابن أحد الضباط السوريين المتنفذين في لبنان، الذي يفقد والدته برصاص قناص خلال الحرب الأهلية اللبنانية، فينشأ داخل ثكنة عسكرية، وفيما بعد يصيب نفسه أثناء لعبه بالسلاح الذي يعيش معه فيفقد الوعي عدة سنوات، ثم ينتحر والده رافضاً التحول إلى شرطي بعد انتهاء الحرب، لتنتهي المرحلة الأولى اللبنانية بإرساله للعلاج والدراسة من قبل أحد زملاء أبيه الضباط الذي يتحول إلى أب بديل له. وفي المرحلة السورية التي تترافق مع الأولى بالتوازي في البداية يظهر مجد شاباً عابثاً مصاباً بكل لوثات أبناء المسؤلين وعيوبهم، سواء في علاقته الغريبة والخالية من الفعل أو العواطف بالنساء، أو اختياره لألعاب الكمبيوتر العنيفة، أو في تلصصه على هواتف وبريد موظفي البنك الذي يعمل فيه كمسؤول معلوماتية، أو في مزاجه المتقلب وأطواره الغريبة، ليتعلق في النهاية بسيدة لبنانية أرسلت لتدير البنك الذي يعمل فيه، ويطاردها ويتجسس عليها إلى أن يتسلل إلى قلبها، لكنها وبعد اكتشافها للأقراص التي تحوي مكالمتها المسجلة تقاطعه، إلى أن تضطر وبسبب حرب تموز 2006 للاستعانة به لإخراج عائلتها من لبنان، وتغفر له بسبب وضعه الصحي السابق، في مشهد إعادة ثقة على جسر مصنوع من الحبال والخشب غير ثابت يحركه الهواء، كناية عن العلاقة بين البلدين.
 
وإذا كانت حكاية الفيلم تحمل دلالات كثيرة، بدءاً من فكرة أن السوريين حكموا لبنان خلال مرحلة الحرب بالعسكر من خلال الضابط والد مجد، فيما يتحكم اللبنانيون بالسوريين في مرحلة السلم بالخبرات الاقتصادية والادارية عبر شخصية مديرة البنك، مروراً بفكرة تحول الضباط الذين خدموا في لبنان إلى أثرياء وأصحاب مشاريع تجارية بعد عودتهم إلى سوريا، عبر شخصية الضابط المتبني لمجد، وصولاً إلى فكرة العته والهوس بالعنف والتجسس التي تصيب أولاد هؤلاء الضباط بسبب تربيتهم غير الطبيعية خارج المنزل وداخل الثكنات العسكرية بين السلاح كما في شخصية مجد نفسه الذي لايصحو من غيبوبته إلاّ بعد سماع صوت المسدس، والذي يعمل مسؤولاً للمعلوماتية في البنك بما تعنيه المعلومات من علاقة بالأمن، فإن شغل جود سعيد سواء على صعيد الصورة أو في إدارة ممثليه أضاف للحكاية، بحيث ندر أن يمر مشهد في الفيلم، لايحمل ارجاعات ودلالات تغني العمل وتضيف قيمة إلى قيمته، ومن ذلك المقارنة التي لابد وأن يلاحظها المشاهد بين تقشف رجالات المرحلة الأولى في الفيلم، وشدتهم على أنفسهم، والرفاهية المفرطة التي يعيش فيها ورثتهم أو رفاقهم الذين لم تدفعهم عقيدتهم القتالية للانتحار فأثروا من الحرب، وهي المسألة التي لايدعها جود سعيد تمر حتى في المشاهد العابرة، فيوظفها لخدمة أفكاره ومقولته، كما في الصورة المشوشة التي يظهر فيها الأمين العام لحزب الله اللبناني يخطب خلال حرب تموز 2006، عبر شاشة تلفزيون في مقهى دمشقي، يستقبل مشجعي المونديال وفرقه، كما لو أنه يريد القول بأن الحرب بالنسبة للسوريين جزء من المونديال.
 
في فيلم "مرةً أخرى" هناك دلالات كثيرة؛ إن في الحوار أو في الصورة يمكن أن تقرأ على أكثر من مستوى، وتفسر على أكثر من محمل، وعلى الرغم من النبرة التصالحية التي حاول بها جود سعيد إنهاء الفيلم، والتي بدت لجانب إقناعها أقل كثيراً من المشرط النقدي لأخطاء كل من سوريا ولبنان بحق الأخرى؛ الأولى عبر ممارسات رجالها، والثاني من خلال سوء فهمه للأولى، إلاّ أن الفيلم في شكله العام يقدم قراءة نقدية عميقة للعلاقات بين البلدين، بمستوى فني يعيد الاعتبار لعقد من الانتاجات الرديئة لمؤسسة السينما السورية.
 
بقي أخيراً أن ألفت النظر لجهد المخرج جود سعيد وبراعته في إدارة ممثليه، سواء في اختياره لمهندس الصوت جوني كوموفيتش لدور الضابط القاسي صاحب العقيدة القتالية والد مجد، أو رقابته الشديدة لأداء عبد اللطيف عبد الحميد حتى لايأخذ شخصية المساعد الريفي الطريفة نحو التهريج، أو قدرته على الحصول على أداء استثنائي لم يظهره قيس الشيخ نجيب في أية أدوار سابقة له كما بدا في دور مجد، ولولا الشخصية التي يكررها عبد الحكيم قطيفان باستمرار في أغلب أعماله، وأعادها في الفيلم في دور الضابط المتبني لمجد، لما لاحظ المشاهد أية مشكلات في أداء الممثلين جميعاً بمن فيهم أولئك الذين أدوا أدوارا صغيرة، أو قدموا جهداً متواضعاً.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.