تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اليونان تهزّ عرش الرأسمالية الغربية

             أعلنت رئاسة الجمهورية اليونانية أن رئيس حزب "سيريزا" اليساري الراديكالي اليكسيس تسيبراس عين، أمس، رسمياً، رئيساً للوزراء بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية. وسيكون بوسع تسيبراس، الذي فشل في الحصول على مقعدين لنيل الغالبية المطلقة في البرلمان المنتخب، أمس، ان يحكم بعد إعلان تحالف "سيريزا" مع حزب "اليونانيين المستقلين" الصغير الذي يحظى بـ13 نائباً.

وقال زعيم "اليونانيين المستقلين" بانوس كامينوس، بعد محادثات في مقر حزب "سيريزا" في أثينا: "أود أن أعلن بأنه اعتباراً من هذه اللحظة هناك حكومة في البلاد، حزب اليونانيين المستقلين يمنح تصويتاً بالثقة لرئيس الوزراء أليكسس تسيبراس". وأضاف "سيلتقي رئيس الوزراء اليوم مع الرئيس لأداء اليمين وسيعلن تشكيل الحكومة التي سيشارك فيها اليونانيون المستقلون". وأفاد مصدر من "حزب سيريزا"، طلب عدم كشف هويته، بأن الحزبين "سيتحالفان لتأمين الغالبية في البرلمان وتشكيل حكومة". ويمثل تحالف حزبين من أقصى طرفي الطيف السياسي تلاقياً غير معتاد بين قوتين جمعت بينهما كراهية مشتركة لخطة انقاذ اليونان التي وضعها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وفي المواقف الدولية اللافتة، أعلنت الرئاسة الفرنسية، في بيان، أن الرئيس فرنسوا هولاند دعا، اليوم، الرئيس الجديد للحكومة اليونانية "الى التوجه سريعاً الى باريس". وأضافت الرئاسة الفرنسية أن هولاند "أعرب عن رغبته في تشجيع المحادثات والحوار بما يسمح لليونان بالعودة الى طريق الاستقرار والنمو في روح من التضامن والمسؤولية التي تجمع الأوروبيين"، مؤكداً أن "فرنسا ستكون إلى جانب اليونان في هذه المرحلة المهمة لمستقبلها".

ووفقاً للسفير، أعلنت أوروبا رغبتها في عدم الانصياع لمطالب تسيبراس، محذرة الرجل القوي الجديد في اثينا من انها غير مستعدة لشطب ديون اليونان وان عليه احترام تعهدات بلاده. ومن جهته، قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إنها تتوقع من الحكومة اليونانية المقبلة احترام التعهدات التي قطعتها البلاد على مستوى الاصلاحات الاقتصادية والتقشف في الميزانية.

وفي سياق متصل، هنأ الرئيس بوتين تسيبراس على فوزه في الانتخابات التشريعية. وأعلن الكرملين، في بيان، أن الرئيس بوتين عبر "عن ثقته في أن روسيا واليونان ستواصلان تعزيز التعاون البناء في جميع المجالات. كما أن بإمكانهما التعاون بطريقة فعالة من أجل تسوية المشاكل الحالية في أوروبا والعالم"، أفادت السفير.

وتحت عنوان: اليونان تهزّ عرش الرأسمالية الغربية، اعتبر ناهض حتر في الأخبار أنّ الفوز الانتخابي الساحق لحركة «سيريزا» اليسارية في اليونان يضعها أمام امتحان تنفيذ وعودها الانتخابية؛ إذا تهاونت، فسوف تدخل اليونان في عهد مظلم من انعدام الثقة واليأس، وما ينجم عنهما من تفاعلات قد تهدد بانفراط البلد، وسقوط الاستقرار الأمني، وتنامي الفاشية. اليونانيون الذين دخلوا التاريخ العالمي من بوابة الاقتراع لليسار الراديكالي، سيكونون على موعد مع انفجار مجتمعهم إذا لم تسر سيريزا قدما في المواجهة مع النيوليبرالية والدائنين، أي مع الرأسمالية الغربية.. ومن الواضح أن الغرب الذي عجز عن فهم روسيا، سوف يعجز عن فهم اليونان التي تتجه إلى هزّ عرش الرأسمالية الغربية ونظامها المالي الدولي من خلال التمرّد على قيود المديونية؛ لن يقبل الدائنون، العرض اليوناني السلمي الفوائد أو إعادة هيكلة الدين على مدى زمني ملائم للاحتياجات اليونانية.. اليونان، إذاً، أمام خيارين: اليأس والتفكك، أو المواجهة؛ في حالة المواجهة، فالتجربة اليونانية سيكون لها آثار عالمية.

نحن، إذاً، أمام استحقاق أوروبي سوف يهز عروش النيوليبرالية، ويفرض على الرأسماليين، من جديد، التوجهات الكنزية التي سادت بعيد الحرب العالمية الثانية، وركزت على التوسع في دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي وتطوير التأمينات الاجتماعية. وأوضح الكاتب أنّ المعركة التي تنتظرها اليونان مع الغرب، سوف تقودها، موضوعيا، إلى التحالف مع روسيا؛ يمكن للدولتين تنظيم علاقات اقتصادية تخفف من أعباء الديون والعقوبات، وتفتح الباب واسعا أمام امكانية المضي خطوة أخرى في طريق المحور الأرثوذكسي العالمي؛ العداء الغربي لروسيا والمواجهة مع اليونان والعدوان على شرقي أوكرانيا الروسي وذكريات العدوان على يوغسلافيا الخ، سوف تدفع بالأرثوذكسية كخيار بديل في صراع الثقافات الذي يفرضه الغرب بالنهب والعدوان؛ لدى روسيا ما تقدمه لليونان في الحقل الاقتصادي ـ ومن ذلك النفط مقابل البضائع أو حتى السياحة ـ ولدى اليونان ما تقدمه، استثماريا، للروس والصينيين في مرحلة إعادة البناء اللاحقة، إضافة إلى ما يمكن لليونان اليسارية المستبعدة من أوروبا، أن تقدمه، جيوسياسيا، لموسكو التي تقاوم مساعي الغرب لضرب صعودها كقوة عالمية.

وأردف حتر: الخيار الروسي لليونان هو خيار موضوعي وطريق اجباري، مثلما يمثل عودة للشرق وتحديدا للحضن الأرثوذكسي؛ وهذه النقطة الأخيرة، سوف تحتاج إلى مبادرة كنسية؛ فهل يلعب بطريرك موسكو وسائر روسيا، كيريل الدور الذي لعبه في تأمين الغطاء الأيديولوجي للتحالف مع سوريا؟ هناك مصاعب ناجمة عن وجود خلافات بين الكنيستين، الروسية واليونانية، لكن فرص التقارب والتضامن، عالية، وتفرضها المصالح القومية للشعبين. وفي سيناريو تفاقم الصراع بين اليونان والغرب، سوف تتجه التطورات إلى تجميد واقعي لعضوية أثينا في حلف شمال الأطلسي، وربما يتبلور اتجاه يوناني إلى الخروج من ذلك الحلف؛ في هذا المناخ، سوف تسترد تركيا وظيفتها التقليدية في كبح اليونان عن السير نحو اليسار، وهي امكانية تكررت في تاريخ اليونان الحديث.

وختم الكاتب بالقول: اليونان يسارية. عنوان ربما يكون ساطعا لصفحة جديدة من تنامي قوة الحلف العالمي المضادّ للغرب، ومدماكا جديدا في الصمود السوري؛ لكنها قد تكون عنوانا لولادة بؤرة جديدة لمؤامرات غربية في تصدير الفوضى والعنف والفاشية إلى بلاد ولدت الديموقراطية على أرضها قديماً؛ وها هي تجدد ولادتها في القرن الحادي والعشرين.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.