تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقرير الـsns: تركيا و«عزلتها الثمينة»..!!

 حقق مرشح اليسار مصطفى أكينجي في الجولة الثانية من الانتخابات انتصارا كبيرا في انتخابات الرئاسة في جمهورية شمال قبرص التركية، بعدما حصل على 60٪ من مجموع أصوات الناخبين، فيما حصل الرئيس الحالي درويش اروغلو، المدعوم من أحزاب اليمين، على 40٪ من أصوات الناخبين الذين توجه 64٪ منهم إلى صناديق الاقتراع. ومعروف عن أكينجي اعتراضه على سياسات أنقرة في موضوع قبرص، وهو يؤكد على ضرورة توحيد شطري الجزيرة في إطار دولة فدرالية مشتركة ذات كيانين مستقلين تماما في الامور الداخلية، وبعيدا عن تدخل اليونان وتركيا، طبقاً للأخبار.

وكتب مصطفى اللباد في السفير أنه ومع حملات الإدانة الواسعة التي شهدتها العواصم الغربية في الذكرى المئوية للمذابح ضد الأرمن العام 1915، بدت تركيا ـ الوريث القانوني للدولة العثمانية ـ معزولة إلى حد كبير في المناقشات التاريخية والقانونية والسياسية المحيطة بالمذبحة وفي موقفها المنكر لحدوثها. وبالتوازي مع «عزلتها الأرمنية» المزمنة تاريخياً، تعاني أنقره من عزلة إقليمية غير مسبوقة، بحيث يقل تأثير تركيا السياسي وتنحدر صورتها في الإقليم جراء سياسات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وزعيمه أردوغان. ولعل إطلاق إبراهيم كالين، مستشار الرئيس أردوغان للشؤون الخارجية، وصف «العزلة الثمينة» على المرحلة الجديدة التي تعيشها تركيا بغرض امتداحها، أبلغ تعبير واقعي عن نتيجة السياسات التركية خلال المرحلة الأولى من «الربيع العربي». فبعد خروج جماعة «الإخوان المسلمين» من السلطة في مصر وليبيا وتونس، وبعد تردّي علاقات تركيا مع دول جوارها الجغرافي المباشر في سوريا والعراق وإيران، لم يعد لتركيا أصدقاء كثر في المنطقة فدخلت مكرهة في العزلة، مهما اتفقنا أو اختلفنا على وصفها.

وأضاف الكاتب: ترفع السياسة الخارجية التركية الجديدة شعار «العزلة الثمينة»، للإشارة إلى أن السياسة التركية «تقوم على المبادئ وأنها تفضل العزلة على التخلي عن هذه المبادئ». هكذا انقلب شعار «صفر مشاكل مع الجيران» الذي رفعته تركيا في السابق إلى انخراط تركي كامل في شؤون المنطقة خلال المرحلة الأولى من «الربيع العربي»... يستوحي شعار «العزلة الثمينة» شعار سابق استخدم في حقل العلاقات الدولية للإشارة إلى انكلترا في نهاية القرن التاسع عشر، أي «العزلة الرائعة» للإشارة إلى عدم انخراطها في صراعات القارة الأوروبية... ربما يكون شعار «العزلة الفاشلة» أدق وأكثر قدرة على توصيف تدني تأثيرها في حراكات دول جوارها الجغرافي... شعار «العزلة الثمينة» التي دخلتها تركيا منذ العام 2013 هو تحصيل حاصل وليس توصيفاً لمجموعة سياسات إقليمية لتركيا في السنوات التالية، بمعنى أن الشعار القديم أطلق توصيفاً لسياسات تركية مستقبلية، في حين أن الشعار الجديد يقرر أمراً واقعاً وهو عزلة تركيا، ولا يتناول سياسات مستقبلية بأي حال.

وأردف اللباد، أنه ومع خسارة تركيا لنفوذها في مصر وتونس وليبيا وسوريا والعراق، لا يتبقى لها كأصدقاء ذوي نفوذ في المنطقة سوى قطر و«حماس» وأكراد العراق....لكن ظهور «داعش» والسلوك التركي المتأرجح حيالها، أوشك أن يهدد العلاقات بين أنقره وأربيل.. ومع فشل تركيا في تغيير المعادلات السياسية في مصر وليبيا، فقد انتهز أردوغان فرصة وفاة العاهل السعودي الراحل عبد الله، ليقترب من خليفته سلمان محاولاً ترميم الصدع في العلاقات التركية ـ السعودية. ولكن أزمة اليمن أظهرت تأرجح المواقف التركية في أوضح صورها وسقف الآمال التركية في آنٍ معاً، حيث ابتدأ أردوغان مندداً بإيران وسياساتها الإقليمية مع تأييد حرب السعودية على الحوثيين، إلا أنه سرعان ما تحول إلى أدوار الوســاطة بين إيران والسعودية لحل أزمة اليمن، حرصاً على مصالح تركيا الاقتصادية المتنامية مع إيران وتجنباً لمشاركة فعلية لتركيا في الحرب على الحوثيين. 

وأضاف اللباد: يصعب وصف الحالة التركية الراهنة بـ «العزلة الثمينة»، فالعزلة التركية الحالية ليست ناتجة عن اتباع سياسات مدفوعة باعتبارات قيم عليا.... عزلة تركيا الراهنة ليست عزلة مختارة من قبل أردوغان، وإنما عزلة فرضتها عليه سياساته الإقليمية السادرة في الطموح والمفارقة لواقع المنطقة وقدرات تركيا الفعلية.. ومع التسليم بتطور تركيا الديموقراطي مقارنة بدول جوارها الجغرافي في المنطـــقة، فإن النزعات الشمولية لأردوغان والظاهرة بوضوح خــــلال السنوات الخمس الماضية ومحاولاته المستمرة لتحييد المـــعارضة والسيطرة على المجــــال العام، قد أظهرت ثقوباً لا يمكن تجاهلها في ثوب تركيا الديموقراطي... وتزداد النتيجة فداحة بملاحظة أن تركيا تتقدم اقتصادياً وديموقراطياً على دول جوارها الجغرافي العربية، في الوقت الذي يتراجع فيه نفوذها الإقليمي باضطراد، ما يعني أن فشل أردوغان وسياساته الإقليمية ليس محكوماً بظروف البيئة الإقليمية وتوازناتها، وإنما بمغالاة أردوغان في تقدير قوة تركيا الفعلية وحدودها، مع الاستهانة بتعقيدات المنطقة وقدرات لاعبيها... الآن يتحول الأمر ليصبح أردوغان بتدخلاته المفرطة والفجة في شؤون المنطقة عبئاً أيديولوجياً وقيداً ثقيلاً على تركيا وأدوارها الإقليمية!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.