تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل الولايات المتحدة في طريقها الى أن تصير دولة من العالم الثالث؟

نشرت صحيفة النهار تقريرا من واشنطن بعنوان: هل الولايات المتحدة في طريقها الى أن تصير دولة من العالم الثالث؟ وأفادت الصحيفة أن الإجراءات التقشفية القاسية، وقطع الخدمات الحيوية للمواطنين في مجالات التعليم والنقل والأمن العام وتسريح الموظفين وخفض الميزانيات في 46 ولاية من أصل خمسين ولاية أميركية هذه السنة، تهدد ليس فقط بزيادة معدلات البطالة بل بإدخال تغييرات جذرية على حياة الأميركيين للمرة الأولى منذ أجيال.

وأفادت النهار أن الإجراءات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها إدارة الرئيس أوباما لإخراج البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ ثلاثينات القرن الماضي، على رغم أنها أوقفت الانهيار، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إيجاد الوظائف الجديدة أو تنشيط النمو الاقتصادي أو زيادة حجم التبادل التجاري مع العالم لخفض العجز المالي. ويتوقع المراقبون والخبراء الاقتصاديون ان يزيد العجز المالي لهذه السنة عن 430 مليار دولار. وارتفعت قروض الحكومة الفيدرالية الى مستويات غير معهودة في تاريخ البلاد حيث من المتوقع ان تصل مع نهاية السنة الجارية الى 14 تريليون دولار. وفي مفارقة لم يكن في الإمكان تخيلها قبل ربع قرن، فان الصين هي اكبر "مصرف" خارجي لأميركا.

وأضافت النهار، إن المؤشرات وإجراءات التقشف قاتمة ومقلقة ومدهشة معاً. رسمياً معدلات البطالة هي 9,5 في المئة ولكنها واقعيا أعلى من ذلك لان مئات الآلاف من العاطلين عن العمل توقفوا عن البحث عن وظائف جديدة وصاروا خارج قوائم الإحصاء لأنهم لم يعودوا مؤهلين للحصول على التعويضات المالية. أيضا معدلات البطالة في أوساط الأقليات وخصوصا الشباب منهم تزيد عن 15 في المئة. وحتى الآن زادت الكلفة المالية للحرب في العراق عن 743 مليار دولار، بينما زادت كلفة الحرب في أفغانستان عن 327 مليار دولار. وبعد زيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان، من المتوقع ان تصل الكلفة الشهرية لهذه القوات الى أكثر من 7 مليارات. خفض معدلات الضرائب الذي أقره الرئيس السابق جورج بوش في بداية عهده لأصحاب الدخل العالي وغيره من الإجراءات والممارسات المالية، أدت الى حصول واحد في المئة فقط من الأميركيين على أكثر من ثلثي الربح في المدخول الوطني. في الفترة الواقعة بين حزيران 2009 وحزيران 2010 وصل عدد الافلاسات المعلنة (لشركات أو لإفراد) الى 1,57 مليون.

العجز المالي في ولاية كاليفورنيا لهذه السنة بلغ 19 مليار دولار، الأمر الذي أرغم الولاية على خفض ميزانيتها بنسبة 14 في المئة وتسريح آلاف الموظفين. نسبة خفض تمويل الخدمات التي تقدمها الولايات للمواطنين انخفضت هذه السنة الى نحو 7 في المئة. العجز المالي في ولاية هاواي أرغمها ليس فقط على إغلاق بعض المدارس العامة كليا وتسريح الأساتذة، بل على إغلاق جميع هذه المدارس في 17 يوم جمعة في السنة الماضية لتوفير النفقات، الأمر الذي جعل السنة الدراسية في هذه الولاية اقصر سنة في البلاد.

وتتعرض أنظمة المواصلات العامة في البلاد (القطارات والاوتوبيسات) التي تخدم ملايين المواطنين لضغوط مالية أدت الى رفع الرسوم، ولكن العجز المالي في مقاطعة كلايتن بولاية جورجيا أرغمها على وقف خطوط النقل للاوتوبيسات كليا لأنها لم تعد قادرة على تحمل نفقاتها البالغة 8 ملايين دولار، الأمر الذي وضع أكثر من 8 آلاف مواطن لا يملكون السيارات ويعتمدون على هذه الخدمات في مأزق.

الخفوضات طاولت حتى الخدمات الحيوية في مجال الأمن. ففي مدينة كولورادو سبرينغ قررت السلطات المحلية إعادة قلب المدينة الى عصر الظلمة من خلال قطع التيار الكهربائي عن 24 ألف عمود كهرباء لتوفير النفقات، الى خفض عدد أفراد الشرطة المحلية وبيع الطائرات المروحية المستخدمة للمراقبة وحالات الطوارئ. وهذه ليست ظاهرة محلية، لان هناك مدناً أخرى في ولايات أخرى من ماساتشوستس الى كاليفورنيا اتخذت إجراءات مماثلة. هذه الظاهرة وغيرها من إجراءات التقشف، دفعت بالمعلق المعروف بول كروغمان الى كتابة مقال بعنوان "الظلام يخيم على أميركا".

أميركا، الدولة التي حققت من خلال مدارسها وجامعاتها المتقدمة أكبر الانجازات العلمية والتقنية والتي كانت من بين أولى الدول التي توفر التعليم المجاني لأبنائها، تجد الآن ان العديد من ولاياتها تغلق مكتباتها العامة، التي توفر خدمات عدة معظمها مجاني لملايين المواطنين وخصوصا من ذوي الدخل المحدود. فقد قررت مدينة كامدن في ولاية نيوجيرزي إغلاق مكتباتها العامة في نهاية السنة لأنها لم تعد قادرة على تمويلها. وسيتم بيع أو تقديم الكتب والوثائق وغيرها كهبات، أو تخزينها أو... إتلافها، لأن إبقاءها في المباني المغلقة قد يؤدي الى أعمال تخريب وسرقة أو حرائق.

وتشهد معظم المدن الأميركية إجراءات تقشف في توفير الخدمات العامة في المكتبات من بينها خفض ساعات الخدمة وتسريح الموظفين. ومن بين ظواهر التقشف وأكثرها مفارقة، في الدولة التي شيدت في عقد الخمسينات من القرن الماضي أكبر شبكة طرق رئيسية بين الولايات وأكثرها تقدما في العالم، ظاهرة وقف تعبيد الطرق في المناطق الريفية، أو تحويل الطرق التي لا تستطيع الولايات أو المقاطعات تعبيدها أو صيانتها دوريا الى حقبة ما قبل الزفت وإعادتها الى حقبة البحص والرمل. بعض الطرق المعبدة في هذه الولايات  ساءت – بسبب انعدام إجراءات الصيانة الدورية - الى درجة دفعت بالسلطات المحلية الى تحويلها  طرقاً من البحص والرمل لأن كلفة صيانتها وتعبيدها أصبحت صعبة أو مستحيلة. هذه الظاهرة كانت موضوع ندوة أكاديمية في جامعة بيردو  بعنوان "العودة الى العصر الحجري".

هذه بعض الأمثلة التي تبين عمق الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، ومضاعفاتها على المجتمع الأميركي، وتحديدا على الطبقة المتوسطة التي تعتبر تاريخيا الطبقة المسؤولة عن تقدم وقوة البلاد واقتصادها. هذه الطبقة المتوسطة تجد نفسها منذ سنوات تحت حصار اقتصادي ولم يعد المنتمون إليها واثقون من أنهم سيجدون الوظائف المناسبة، أو سيتقاعدون بعد بلوغهم الخامسة والستين، أو أنهم سيحصلون على شيكات الضمان الاجتماعي بعد تقاعدهم نظراً الى المخاوف التي تحيط بمستقبل نظام الضمان الاجتماعي بكامله، والأمر ذاته ينطبق على الضمانات الصحية المقدمة للمتقدمين في السن أو للفقراء.

هل أميركا في طريقها الى أن تصير دولة من العالم الثالث؟  هذا ما تعتقده أريانا هافينغتون، المعلقة السياسية ومؤسسة الموقع الالكتروني "ذي هافينغتون بوست" التي افتتحت قسما في موقعها الالكتروني بالعنوان نفسه لتوثيق المصاعب والتحديات التي تتعرض لها الطبقة الوسطى في أميركا. هذه التطورات والإجراءات التقشفية التي تشهدها البلاد، عمقت السجال الدائر في البلاد حول انحسار مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والعلمية والتقنية في العالم، وما الذي يعنيه ذلك لقدرة واشنطن على الإبحار في عالم تزداد فيه التحديات "للقيادة الأميركية" في مختلف هذه المجالات.

الأميركيون الذين يريدون حلولا سريعة أو سحرية لمشاكلهم، بمن فيهم أولئك الذين صوتوا للرئيس أوباما، بدأوا يلومونه وحزبه على هذا الوضع المتردي، غير عابئين بما يقوله الخبراء أو مؤيدو أوباما من ان معالجة التحديات التاريخية التي تواجهها البلاد تتطلب أكثر من جهد يقوم به رئيس أميركي خلال اقل من سنتين، بل تغييرا جذريا في تفكير وعمل الطبقة السياسية بكاملها في واشنطن، الى تغيير مماثل في تفكير صناع الرأي أو المؤثرين في صوغ الرأي أو "المزاج" العام في البلاد من أكاديميين ومثقفين وصحافيين.

وربما السؤال الأهم من كل ذلك هو هل المواطن الأميركي مستعد لتحمل التضحيات المطلوبة، التي يمكن ان تشمل المزيد من الضرائب أو إجراءات التقشف المؤقتة لعبور هذه الحقبة القاتمة، أم لا؟ 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.