تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قمـة العشـريـن تنـسى ذكـر «الربيـع العـربـي»

محطة أخبار سورية

سابقة قمة العشرين في دوفيل لم تتكرر في كان. الحماس الأوروبي لمساعدة الثورات العربية، للصعود نحو الديموقراطية خبا وهجه على الريفييرا الفرنسية، وكان صعباً العثور على كلمة ربيع أو عربي في البيان الختامي لقمة العشرين، يمكن ان تقارن باحتفال «دوفيل» العربي: «نحن زعماء الدول والحكومات نؤكد التزامنا العميق من اجل الحرية والديموقراطية».

وخلال خمسة أشهر فقد ربيع العرب جاذبيته الثورية إلى حد تجاوز الوعود التي أغدقها «دوفيل» لمكافأة تونس ومصر أولا، وضياع الطريق نحو اربعين مليار دولار لتثبيت اقتصادات ديموقراطيات الغد «البلدان التي تطلق الوعود بالمساعدات، لا تشرح عادة كيفية الالتزام بوعودها، ولا نعرف حقيقة ما إذا كان رؤساء البلدان يدرجون المبالغ الموعودة في ميزانيات حكوماتهم»، قالت ناتلي دوبون من «تنيسقيات الجنوب غير الحكومية». وباستثناء أغنياء العرب من السعودية والإمارات، لم يدع التونسيون او المصريون، او الليبيون إلى كان. وحتى في دوفيل جرى الخلط بين المساعدة الكريمة، والخبطة الدعائية، والإقراض المحسوب: «إن المساعدة الموعودة لتونس ومصر، قدمت بأي حال بالشروط القاسية نفسها التي يقرض فيها صندوق النقد الدولي دولا كثيرة ومنها اليونان المفلسة، اميركا اللاتينية او حتى باكستان، التي رفضت الدفعة الأخيرة من تقديماته»، لاحظت في كواليس المؤتمر ناتلي بيريز من المنظمة غير الحكومية «كريد». وأخرجت قمة العشرين نفسها تقريرا عن مصير تعهداتها المالية، لاحظت فيه انه لم تقدم من الـ22 مليار يورو

لزراعة الدول الفقيرة حتى عام 2012 سوى ملياري دولار. واللائحة طويلة.

والارجح أن الاوروبيين، وقادة الدول العشرين او تلك النامية التي تتبع اقتصاداتها بشدة المركز الأوروبي قد ردهم إلى اهتمامهم الأول الازمة المالية التي تعصف بمنطقة اليورو منذ عامين، في المديونية العالية لبلدانهم الأساسية كإيطاليا او اٍسبانيا وفرنسا، وانفجار القنبلة اليونانية في كان، التي طغى ضجيجها واحتمال افلاس اليونان على ما عداه، فضلا عن ضغوط شركائهم التي لا تجد جواباً كافياً، لكي يجد قادة منطقة اليورو حلولاً لمشكلة الركود الاقتصادي، وإطلاق النمو الذي خبا تدريجاً منذ عشرة اعوام. وكانت القضية الاساسية على جدول اعمال القمة، قبل تفجر الوضع في اليونان، هي بحث استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي العالمي للخروج من الركود، الا ان القمة وجدت نفسها وكأنها استكمال للقمم الاوروبية ولقاءات دول منطقة اليورو المهمومة بشكل رئيسي بالحيلولة دون تعمق ازمة ديون اوروبا السيادية.

وباستثناء سؤال يتيم عن إيران خلال مؤتمر صحافي، لا يبدو أن القضايا العالمية الأخرى قد نالت أدنى نصيب من الاهتمام في كان. ووجب الاكتفاء برد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن سؤال متى يمكن قصف إيران ومنشآتها النووية، بالقول «إن فرنسا لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرضت إسرائيل لتهديد وجودها»، الذي يعتبر مأثرة القرن العشرين. اما الحرب الاستباقية ضد طهران «ففي هذا القول بعض التهور، فهناك الحوار مع طهران، ثم العقوبات، وإذا لم تنجح العقوبات، فعقوبات أخرى، لا يمكن حل جميع المشاكل بالسلاح، حتى ولو كان هناك من يجيب بأننا كنا قد لجأنا إليه في ساحل العاج وليبيا».

ونجحت قمة كان في تظهير محور فرنسي ألماني قوي داخل القارة، دلّ على أن محرك الاتحاد الأوروبي، لا يزال الثنائي الفرنسي الألماني، لا سيما في الموقف المشترك للرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل من الأزمة اليونانية. وذهب الثنائي إلى حد فرض تراجع رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو عن اقتراح استفتاء اليونانيين على اتفاق تنظيم مديونيتهم لأوروبا في لحظة «تمرد» يتيمة على إملاءات المؤسسات المالية الاوروبية والمصارف الألمانية والفرنسية. وهي اتفاقات تثقل الاقتصاد اليوناني بفوائد يكرس اليونانيون اكثر من خمسين في المئة من ناتجهم القومي لسدادها. ووصف ساركوزي، بحسب تسريبات، رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو بأنه ليس رجل دولة وإنما مجرد متعاط بالسياسة. وفرض الشريكان على إيطاليا، ثالث اقتصادات اوروبا، وأعلاها مديونية (1900 مليار يورو و120 في المئة من الناتج القومي الخام)، ان تضع تنفيذها لخطة تقشف واسعة لخفض الانفاق الحكومي، تحت رقابة صندوق النقد الدولي، وهو إجراء غير مسبوق لدول الصف الأول الاوروبي. ودفع ساركوزي اتهامه بالرغبة بتغيير رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، علماً أن انجيلا ميركل تفضل لو يكون اسم رئيس الوزراء الايطالي غير برلوسكوني الذي يعتبر مشكلة بحد ذاته، بنظر الشريكين الأوروبيين، لفقدان الثقة بقدراته الحكومية، وكثرة فضائحه.

والأرجح أن قمة العشرين سجلت بعض التقدم، وهي العبارة التي وصف البيان الختامي بها لائحة الإجراءات التي تبناها، ويعد التعبير واقعياً لأن الازمة اليونانية حولت كان إلى مؤتمر حولها، كما ان القضايا التي وضعت على جدول الأعمال، كانت تواجه خلافات كبيرة حولها، وبعضها استراتيجي. وتمت تغطية الخلافات بعبارات فضفاضة حول استراتيجية للنمو وتوفير فرص العمل، وحول اعادة هيكلة القطاع المالي العالمي.

وهكذا أشار البيان الختامي إلى تقدم احرزته القمة في فرض ضريبة على التحويلات المالية الخارجية الذي تقدمت به المجموعة الأوروبية، من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وأيدته البرازيل والأرجنتين. ولكن العجز عن التوصل إلى اتفاق حوله لا يعود إلى الخلاف مع الولايات المتحدة وإنما إلى تكليف رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، الذي تستضيف بلاده اهم البورصات العالمية المعرضة لتلك الضرائب، والذي عمل منطقياً على إفشال الاقتراح الفرنسي، دفاعاً عن مصالح وسيادة السوق المالية اللندنية على ما عداها. وتنتظر فرنسا من تلك الضريبة جني 300 مليار دولار سنوياً، تستخدم لتمويل النمو في الدول الفقيرة.

ولا يقتصر الرأي المعارض لتلك الضريبة على دول مثل الولايات المتحدة او بريطانيا، حيث يمثل قطاع الخدمات المالية المكون الرئيسي للنشاط الاقتصادي، بل إن دولاً من الاقتصادات الصاعدة لا ترغب في إجراء قد يحد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصادها.

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا تسعيان إلى استخدام جزء من عائدات تلك الضريبة لتوفير موارد مالية جديدة للحكومات لتتمكن من التدخل لإنقاذ القطاع المالي في حال التعثر. وهناك ايضا هدف ابعد، وهو محاولة الحد من ظاهرة «الاموال الساخنة»، اي تلك الاستثمارات المالية العابرة للقارات التي تؤدي الى فقاعات دائمة يقود انفجارها الى ازمات؟

كذلك تقدم العشرون بشكل لفظي في ملف زيادة موارد صندوق النقد الدولي، لكن من دون اي اتفاق محدد بشأن زيادة مساهمات او إعطاء الصندوق دوراً اكبر في إنقاذ الدول المتعثرة. وكما قال الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي فإنه رغم اختلاف وجهات النظر فإن عدداً من الدول وافقت على زيادة موارد الصندوق وإن ظلت هناك تحفظات من واشنطن ولندن. وترك ذلك الى اجتماع وزراء مالية دول الصندوق في شباط المقبل.

الاتفاق الوحيد الذي تم توقيعه من قبل زعماء دول مجموعة العشرين هو ميثاق مكافحة التهرب الضريبي، مع دعوة الجميع في العالم الى الانضمام للميثاق والالتزام بالمعايير الدولية فيما يتعلق بالضرائب. والهدف من ذلك الميثاق هو الحد من ملاذات المال الآمنة حيث يلجأ الأثرياء لفتح حسابات والاحتفاظ باموالهم كي لا يدفعوا ضرائب عليها في بلدانهم الاصلية.

وأشار الرئيس الفرنسي الى ان عدد الدول التي توفر ملاذات آمنة للتهرب الضريبي أنخفض من 30 إلى 11 دولة في السنوات الخمس الأخيرة، وأن سويسرا وليشتنشتاين، وهما من ملاذات الضرائب، انتقلتا من المستوى الأول الى المستوى الثاني على لائحة الدول والمناطق التي يمكن وصفها بملاذات تهرب ضريبي. وتقول منظمات غير حكومية في كان إن اكثر من 600 اتفاق جرى توقيعها مع البلدان لتوفير ملفات ومعلومات عن المتهربين من دفع الضرائب، لكن من دون أن تحدث تقدماً حقيقياً. كما أن الاتفاقات الموقعة، لا تلحظ مصير الأموال المكتسبة في البلدان الفقيرة بطرق غير مشروعة، والمودعة في مصارف الدول الغربية، من دون التوصل إلى اتفاقات لتحديد المكتسب منها عن طريق الفساد لاستعادتها، وهي قضية برزت بعد الربيع العربي، والكشف عن مليارات من الدولارات اودعها حكام عرب وأفارقة في مصارف أوروبا.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.