تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«ألعاب نفطية» من تحت الطاولة

محطة أخبار سورية

 

يصف أحد الخبراء المطّلعين ما يحدث في قطاع النفط والغاز في منطقة المشرق حالياً، بأنّه «سايكس بيكو» جديد خاص بالطاقة، في مقارنة مع الاتفاقية الشهيرة التي وقّعت بين فرنسا وبريطانيا (بموافقة روسية) لتقاسم نفوذ السلطنة العثمانية في الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وتماماً كما ترصد الدول الكبرى مصالحها على خريطة الطاقة العالمية – وبالتالي تناصر فوز شركاتها في امتيازات في أقاليم معيّنة – هناك أطراف داخلية تعمد إلى اللعبة نفسها. الوضع ليس غريباً، نظراً إلى ارتباط الكيانات الاجتماعية اللبنانية المختلفة براعٍ أجنبي.

 

المفاجئ هو أن هذه الحركة كانت قد بدأت منذ أكثر من ست سنوات. «في عام 2007، كان هناك سياسيون يستقلّون طائراتهم الخاصة إلى روسيا للترويج لشركات أقاربهم من أميركا اللاتينية، وصولاً إلى الشرق الأوسط»، يقول الخبير المطّلع على تفاصيل اللعبة اللبنانية. «وحتّى اليوم، العديد ممّن يوجّهون الانتقادات إلى كيفية إدارة قطاع النفط والغاز حالياً، سعوا خلال الفترة الأخيرة إلى طلب لقاءات خاصّة مع مديري الشركات للتوصّل ربما إلى ترتيبات من تحت الطاولة في هذا الخصوص».

تلك الشركات هي اللاعبة الأولى عالمياً في قطاع النفط، وأيضاً في السياسة. وبعضها يوازي حجم أصوله مجمل ما ينتجه الاقتصاد اللبناني في عام، أي 42 مليار دولار تقريباً.

خلال حوار مفتوح عن القطاع، نُظمّ في إطار منتدى الاقتصاد العربي، أشار وزير الطاقة والمياه، جبران باسيل، تحديداً إلى هذه النقطة، فقال: «هناك من يزرعون الخوف والقلق ويؤخرون المسار والعملية القائمة».

غير أنّ هذا الكلام ليس مفاجئاً؛ فقد تردّدت في الآونة الأخيرة أخبار كثيرة عن ضرورة تخصيص حقيبة وزارية خاصّة للموارد البترولية، وبالتالي فصل هذا القطاع عن صلاحيات وزير الطاقة والمياه. وليس في هذه الدعوات مشكلة، بيد أنها كثيراً ما ارتبطت باعتبارات سياسية لدرجة تشديد البعض على أنّ «الطاقة والمياه» يجب ألّا تبقى من حصّة التيار السياسي الذي يديرها حالياً.

يأسف اللبنانيون الذين يترقّبون ما سيخرج من مياههم الإقليمية لهذه الوقائع، وخصوصاً أنّ ما تعدهم بهم الطبيعة سخيّ فعلاً. المعطيات الجديدة في القطاع تُشير مثلاً إلى أنّه في منطقة الشمال يصل سخاء الطبيعة إلى درجة أنّ حقل الغاز الموجود هناك لا يحتاج إلا إلى تجهيز المنصة وبدء الاستخراج خلال أسبوعين!

أكثر ما يُقلق هو غياب الأمن السياسي الذي يضمن الاستقرار لاستخراج الثرورة النفطية وتوجيه إيراداتها إلى الصندوق السيادي وإلى الخزينة العامّة على نحو يؤمل أن يكون شفافاً بأقصى درجة ممكنة.

وكما يراقب اللبنانيّون الوضع، تفعل الشركات الكبرى. حتّى اليوم يبدو أنّها متفائلة، بل حتّى متحمسة للأرباح المرتقبة. فبحسب جبران باسيل، مع انطلاق دورة التراخيص في 2 أيار 2012، استكملت 43 شركة من أصل 46 نجحت في دورة التأهيل، إجراءات سحب المعاملات والاستحصال على دفاتر الشروط والعقود النموذجية.

حماسة الشركات كانت قد ظهرت منذ فترة. فالضخمة منها عمدت إلى تخصيص مبالغ سنوية تراوح بين 15 مليون دولار و20 مليوناً سنوياً، لتغطية أكلاف أقسامها الخاصة بالأبحاث حول النفط والغاز في المنطقة.

«في حال حصول تأخّر ناجم عن عقم سياسي يُمكن اعتبار أن لبنان سيتأخّر 10 أعوام إضافية؛ لأنّ المماطلة هنا ليست كمية، بل ترتبط مباشرة بالثقة في لبنان وبمؤسساته، وإن عند الحدود الدنيا»، يقول أحد خبراء النفط المطلعين على سير الأعمال. «حينها ستكون خيبة الأمل الكبرى».

المماطلة واردة، ليس فقط انطلاقاً من المعطيات المذكورة، بل من الوضع السياسي الذي تمر به البلاد حالياً. فمع تكتّل الشركات وتحضيرها لتقديم العروض في إطار كونسورتيوم بانتظار الخريف المقبل حين يُقفل باب تقديم العروض تحضيراً لتوقيع أوّل عقد في شباط 2014 على الأرجح، يجب أن يُصدر مجلس الوزراء المراسيم الخاصّة بتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى 10 بلوكات بحرية، بمباركة نموذج العقد الذي صيغ وقُدِّم للشركات، وصولاً إلى تأكيد شرعية العقود التي ستُوقَّع.

وللتذكير، فإنّ المراسيم الخاصّة بالقطاع تمرّ بثلاث مراحل وفقاً لقانون الموارد البترولية الذي أقر عام 2010: هيئة إدارة قطاع النفط، وزارة الطاقة والمياه ومجلس الوزراء. وحتّى اليوم أُنجز أكثر من 30 مرسوماً، وأقرت في مجلس الوزراء.

اللافت هو أنّ رئيس الحكومة المستقيل، نجيب ميقاتي، شدّد أخيراً على الآتي: «لن تنقضي سنة 2013 إلا وتكون الإجراءات التنفيذية للمباشرة بالتنقيب عن النفط والغاز قد اكتملت وفق البرنامج الذي أعده مجلس الوزراء».

ليست هناك وعود ثابتة تحت سماء لبنان، وبالتالي الأفضل هو التركيز على المعطيات التقنية حالياً. وفقاً لإيضاحات جبران باسيل، إنّ 10% من المساحة البحرية التي جرى مسحها (وهي تقريباً 15 ألف كيلومتر مربع من أصل 22 ألفاً)، جرى تحليلها. وقد أظهرت النتائج الأولية أنّه باحتمال تبلغ نسبته 50% تحوي المياه اللبنانية 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتحوي أيضاً النفط الخام السائل بكمية تقارب 650 مليون برميل. أي إنّ قيمة النفط وحده بالأسعار الحالية تبلغ 66 مليار دولار. مع العلم أنّ قيمة الغاز تتجاوز هذا الرقم كثيراً، وصولاً إلى ضعفه.

ويُشار هنا إلى أنّ التقديرات الأولية التي كانت قد أعدّتها مؤسسة المسح الجيولوجي الأميركي (USGS)، يحوي حوض المشرق (Levant Bassin) قرابة 1.7 مليار برميل من النفط و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي (مع العلم أنّ هذين الرقمين يُمكن أن يرتفعا إلى الضعف وفقاً لسيناريو إيجابي).

هذه الكميات الكبيرة والمبالغ التي ستدرّها هي رهن المرحلة السياسية المقبلة.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.