تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإعلام السوري متصدّياً لـ«كيّ الوعي» لدى المواطن... ولكن!


                                                                                                                                 د. رأفت أحمد

اتفق معظم المحلّلين والمتابعين للمؤامرة الكونية على سورية، ولواقع الإعلام السوري، على أن هذا الإعلام وجد نفسه منذ بداية هذه الحرب في مواجهة غير متكافئة مع آلة إعلامية ضخمة موجهة ومنظمة، مدعومة بعمليات تمويل لم يسبق لها مثيل، واستراتيجيات تنفيذ قائمة في جوهرها على أسس نفسية واجتماعية بحتة تضمن التأثير الفاعل في الملتقى، وإن يكن الهدف قضية باطلة.



استراتيجية العدو الإعلامية دُعّمت بخطة قائمة على إرهاب وإجرام صادم على الأرض في حق الشعب السوري، فمن عمليات إطلاق النار من المنازل على التظاهرات المنسقة والمدفوعة المال والمخدرات مسبقاً، إلى المجازر الوحشية مثل مجزرة جسر الشغور ومجزرة الحولة ومجازر حماة وباب عمرو والخالدية والقصير وسواها، التي هدفت في جوهرها إلى إحداث صدمة نفسية في المجتمع السوري، ودعم وقع الصدمة وأعطاها بعداً مؤثراً القرار الأولي للقيادة السورية بمنع قوات حفظ النظام من إطلاق النار في اتجاه التظاهرات والتجمعات مهما بلغت شدة التخريب أو الإجرام الحاصل لكي تتضح صورة المؤامرة وفصولها القذرة للمواطن السوري المغرّر به.

مجازر صادمة على الأرض تُبث على القنوات الإعلامية صوتاً وصورة مباشرة، وعجز «ظاهري» للقوى الأمنية وقوات الجيش في التصدي لحالات الإجرام وسفك الدماء، ما أدى إلى دخول الشارع السوري في ما نسميه «كي الوعي» وحديث العقل الباطن القائل «تغيير الحال من المحال» وحديث اللاشعور الجمعي القائل «مثلما حصل في مصر وتونس وليبيا فإن المصير نفسه هو في سورية».

حالة «كي الوعي» المستندة إعلامياً إلى إثارة الغرائز الإنسانية لمظاهر الدماء والقتل ومعاناة الأطفال والنساء، تصدى لها الإعلام السوري بكثير من المنطق ومحاكاة العقل وعرض الحقائق كما هي، وإن يكن العرض متأخراً أحياناً إلاّ أنه نجح في الحيلولة دون دخول وعي الشارع السوري في حالة السبات المؤدية إلى اللافعل. فرأينا مثلاً المبادرات الشبابية ونشاطاتهم على الشبكة العنكبوتية، وشهدنا فقرة التضليل الإعلامي والتي لشدة فاعليتها قامت القنوات المعادية لسورية بتشويهها حيناً وتقليدها حيناً آخر، فكان أن أتت النتائج عكسية، إذ سطع نجم فقرة التضليل الإعلامي وباتت نافذة المواطن السوري للاطلاع على الوقائع وتبويبها وربطها مع بعضها البعض وصولاً إلى الحقيقة المراد إيصالها لاحقاً، للمعان نجم الإعلام الوطني السوري بشقيه الخاص والعام، والمبادرات الشبابية على تنوعها، فكانت إنجازات الجيش العربي السوري على أرض الواقع في مواجهة العصابات التكفيرية والمسلحة، وشكل ذلك كله قوة جبارة أخرجت الشارع السوري من حالة الإحباط وحالة «كي الوعي» إلى حالة المواجهة والتصدي، فحديث النفس القائل «تغيير الحال من المحال» تحول إلى «سوريا لنا حرام على غيرنا» و«غيرك ما بنختار» و«هيهات منا الذلة».

فيما تخرج سورية رويداً رويداً منتصرة من هذه الحرب، لنا أن نتساءل:

هل ارتقى الإعلام السوري إلى مستوى النصر السوري؟

هل ارتقى إلى عظمة إنجازات الجيش العربي السوري الذي لا يقهر؟

هل استطاع وضع المواطن السوري بصورة ما يجري بعدما حسم هذا المواطن خياره مع الوطن؟

هل استطاع الإعلام السوري مواجهة مستجدات المرحلة وما أرخت الأزمة من مفاعيل اجتماعية واقتصادية؟

نقول بحب واحترام ورغبة في الحقيقة: خرج الإعلام السوري وأخرج الشارع السوري من حالة «كي الوعي» ليقع في «تنويم الوعي»، أي فخ التكرار، ليعود مستديراً إلى الوراء 360 درجة بخطى ثابتة. فها هي الندوات المكررة بالشكل ذاته والمضمون والإعداد عينهما، والأفكار نفسها والمعلومة إيّاها والضيوف يتكرّرون … أما الواقع فما أبعده!

أين الإعلام السوري من مشكلة الفقر المدقع التي باتت تعيشه الأسر السورية المتضررة من هذه الحرب؟ أين هو من مشاكل أسر الشهداء والمصابين؟ أما المخطوفون فلقضيتهم أبعاد وشجون يغيب عنها الإعلام عن سبق إصرار وترصد!

أين الإعلام السوري من تقصير بعض الوزراء وبعض مديري المؤسسات الحكومية في تأمين الحياة الكريمة للمواطن في ظل ظروف استثنائية؟

أين الإعلام السوري من مشكلة أطفال التسول على إشارات المرور والعائلات التي تنام في الحدائق لأسباب عديدة؟ أين الإعلام السوري من المشاكل الاجتماعية الناجمة عن حالات التهجير من حالات التفكك الأسري والطلاق والدعارة المقنعة باسم «زواج السترة»؟

هل للإعلام السوري أن يكف من عرض صور لدمشق ولباقي المحافظات عائدة إلى ما قبل التخريب في سورية ويعرض الواقع كما هو؟

هل للمواطن السوري بعد كل معاناته وصبره وصموده بمحلل سياسي أو ناطق عسكري أو متحدث إعلامي يضعه بصورة ما يحصل يومياً في البلد؟ ماذا يهم المواطن السوري من وزير اجتمع بلجانه هنا، وآخر يغرس شجرة هناك، بينما يرى الواقع ضبابياً والمستقبل مجهولاً؟

لا بد للإعلام في سورية من استراتيجيا وطنية إعلامية تأخذ في الاعتبار المستجدات اليومية في الحرب الكونية التي يتصدى لها الجيش السوري، ولا بد من أن يرتقي هذا الإعلام إلى مستوى انتصارات الجيش التي يسطرها كل يوم، بل كل ساعة، وأن تدعم هذه الاستراتيجيا بتكتيكات مرحلية على الأرض، شهرية ويومية تواكب إفرازات الأزمة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

لا بد من حالة قيادة الوعي إعلامياً لدى الموطن السوري الذي يثق ثقة عمياء بقيادته، ولا بد من المعلومة المقدمة بذكاء وحرفية في المكان والزمان المناسبين انطلاقاً من غريزة حب المعرفة لدى الإنسان. فالمعرفة حق ولا يمكن لأحد مصادرة هذا الحق، فما أن تصادره جهة ما حتى تتلقفه جهة أخرى معادية وتعزف على وتره بما يخدم أهدافها واستراتيجيتها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.